منبر حر لكل اليمنيين

مطلع البحر

24

١- تهليل

لقد تولاني ولعُ النميمة، فأصبحتُ لا أرى شيئاً إلا تحدثتُ عنه، ولا غاب عني شيءٌ، إلا أفرطتُ في التوق إلى رؤيته حتى أصبحتُ منشقاً إلى هلال وبدر: أهذي بصورة هذا، فيغيب ذاك، وأمتلك ذاك فيغيب هذا.
وقد استودعني الخالق بخلق العبد المأمور..
فلا أعصي ما يأمرني به قلبي قط، أنا الناخوذة والقلب بوصلتي، أمر هنا أو هناك.. أو هناك في أمواه بحري الواسعة، ولكنني لا أعبر من قوس موجة ولا أتظلل في رذاذ موجة ولا أدغل بينهما، إلا وقد شابكنا كفَيَّنا في راحة واحدة.
* * *
يرسمون ظلالهم بالجمر، وأرسم قامتي باللهب،
هم فرادى ولي لؤلؤ الغيم أجلو بهاءه و أصعد في أبراج رؤاه، أقيم أعتاب مآذني..
وأدعو إلى كلمة قلبي بلا حكمة ولا عظة متقنة.
هذا أنا أزهو، وأنقش على بياض الرؤيا، طِيب ازدهائي وعطري. مترفاً كطاوؤس اللهب، يرى وقداً فيدنو منه. ويدنو منه فيسعى للغوص في حبال وهجه، من أوتادها كلها ليجتبيها دفعةً. فإذا قضًى منها وطراً، وأزمع الإياب إلى خيمة نفسه، قبس من
وساوسها نوراً،
وأدلج إلى عتمته.. يتأمل في ضوئها ضعفه، في عراء مملكة الخالق.

٢- معراج الهاوية.

مقبضٌ حجراً، كأنني أخاف على السماء من الإفلات، وتخاف السماءُ على رأسي من التطاير إلى رذاذ، وليكن! هذه جبانةٌ، وأنا غصنُ توت مدلى بين نهدين. شفتانِ: دمٌ وحناءْ، حناءٌ ودمٌ وأحزانْ، هكذا عدتُ ـ أقول ـ وهذي كل أمتعتي!! وأشير إلى يدي.
مشدودٌ إلى نهاية أهدابي: عكازٌ، من صلاة وأذانْ: أسئلةٌ ملقاةٌ على شفة القاع، تنتظر الغسل، وأخرى في جثمان التيه تطهّمها الأكفانْ، قنديلٌ للصحو، وقنديلٌ للسُكر، وقنديلان ـ أدلّيهما على مهل في سماءٍ القاع ـ لا عليَ.. ولا لي.. قلتُ: ذلك المبضعُ وهاهنا الختانْ.
(وأشرتُ إلى جهةٍ لا أعلمها في اسمي).
* * *
أنا الزغبُ النابت للتوّ، في جسدِ أوراق التوت، والصرخةُ المتخثرّة في أفواه زغاريد الحنّاء، نصُبٌ من الإسفنج، أنا، على بوابة غابة من الإسفلت، وبقعةُ سوادٍ ـ أنا ـ لذنوبٍ لا مغفرة لها، في رقعة صكّ غفرانْ.
* * *
سأجرّعُ من تاهوا بزهوي، كوابيسَ العريَ، النمامةَ في صحوي، وأطيل شجاري الممجوج مع عبّاد الشمس ومع الندمانْ. وأقولُ ـ إذا عدتُ محمولاً على جنائز صحوي ـ: هذي فؤوس النشوى التياهةُ، في سُكري، تدِلق في صحواتي مراثيها. وأنمْ، بأبّهة الأفراسِ، الأفراسَ، وأذمّ الفرسانْ. سأحرّض ريش الطاووس على ذيل الطاووس، وأحرضُ ذيل الطاووس على الطاووس وأغيض بنار الغيرة أنثى الديك على الديك، وأسير أشنّ حروب الفتنة مابين فوانيس الحنّاء وكوابيس الأحزانْ.

(من ديوان زفاف الحجارة للبحر)

تعليقات