خليك مع العيسي
لم أكن أعير تلك العبارة أعلاه أي اهتمام خلال الأيام الماضية ، فقد كانت تتردد في بعض التعليقات على ما أكتبه في صفحتي ، بالرغم من أن التعليق في واد والمقالة في واد آخر ، لكن أحد القوميين لفت انتباهي بالأمس ونحن نتناقش حول الحرب في السودان ، فكان هذا القومي متحمس لشتم النظام السابق في السودان وأنه يجب محوه من الوجود ، فعلقت عليه ، بأننا نحتاج أولا لأن نبدأ من اليمن ونصلح حالنا لكي نستطيع أن نقف إلى جانب الآخرين ، فما كان من هذا القومجي إلا أن رد علي بالقول ، خليك أنت مع العيسي ، اعتقادا منه أنه يشتمني ، ولا يعلم أنه يمدحني بذلك .
نعم لقد مدحني ، لأنه طلب مني أن أكون مع من اقتحم الملف الأخطر في اليمن ، ملف شبكات الفساد ، وكان بمثابة حامل كلمة السر في فتح الأبواب للولوج إلى فساد الحكومة ومطالبته بكشف الفاسدين ومحاكمتهم مبتدئا بنفسه لو كان فاسدا ، وهذا يؤكد أن الرجل لا ينطلق من منطلق الانتقام ، بل يسلك طريق العدالة ورفض التغطية على الحقيقة مهما كانت قاسية ، ولو كان فاسدا لما تجرأ أن يقترب من هذا الباب الذي تقف خلفه الحكومة .
لست أنا الوحيد من يشعر بالاعتزاز بما أثاره أحمد العيسي حول الفساد ، بل الشارع كله يتحدث عن ذلك ويعتبره بطلا قوميا ، لأنه يقود حملة مواجهة فساد الحكومة وهو يمثل نصفها كونه مدير مكتب رئاسة الجمهورية ، والنصف الآخر بوصفه رجل أعمال ، ودائما ما ينتج الفساد من زواج المتعة بين رأس المال والسلطة ، ونحن نعلم أن رأس المال جبان لأنه دائما يسلك طرقا غير مشروعة ، لكن العيسي قلب هذه المعادلة وأثبت أن الجبن لا يصيب إلا رأس المال الفاسد .
لست أدري كيف اعتقد هذا القومجي أن العلاقة بالعيسي تعد شتيمة أو انتقاص ، فالعيسي رجل الأعمال الوحيد الذي صودرت أمواله وممتلكاته من قبل الحوثيين والشرعية على حد سواء ، بالرغم من وضع إمكانياته تحت تصرف الشرعية وأراد أن يخوض بها معركة استرداد الوطن واسترداد السيادة الوطنية بعد أن رأى الوطن يقترب من الانهيار الشامل ونهب المال العام ، أفلست الدولة فذهب العيسي لرفدها والأخذ بيدها ، كي لا تسقط .
كيف لا نفتخر بمن أرجع الوحدة إلى واجهة الاهتمام وحرر الوحدويين من الخوف وأسس لهم الائتلاف الوطني الجنوبي وفتح باب الحوار بين القيادات الجنوبية وأسهم في إيجاد شبكة سياسية معقدة استهلكت منه الكثير من الوقت والجهد للمصالحة بين الجنوبيين بعضهم البعض وبين الصف الجمهوري المنقسم على نفسه وأسهم بفاعلية في تقريب وجهات النظر ولم يشعر مطلقا باليأس من الفشل المتكرر في محاولة المصالحة الوطنية .
كان العيسي الوحيد من بين رجال الأعمال الذين تضخمت ثروتهم خارج السلطة وقلت وهو في السلطة ، مما يدل على أنه لم يستفد من منصبه للحصول على امتيازات استثنائية ، خاصة وهو يمسك بأهم مفصل في مكتب الرئاسة وهو الشأن الاقتصادي ، فلم يشكل المنصب إغراء له ليستغله في تحقيق مصالحه الشخصية ، بل تحمل أعباء قيادة حملة مكافحة الفساد ، لأنه يعتبر الدولة جزءا منه وهي المصلحة العامة العليا ، لذلك جعل الفساد عدوه لأنه عدو الدولة .
أخلص إلى القول ، بأن من يطالب بمكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين ، فنحن معه ونتشرف به ،لأن كل إناء ينضح بما فيه وإناء العيسي ينضح بالخير والعطاء والمساعدة من خلال أعماله الخيرية وخاصة في مجال التعليم والطب ، أما إناء الآخرين فهو مليء بالفساد والاستيلاء على أموال الشعب اليمني ، ويبقى الكلام على عواهنه لا قيمة له ، وننتظر اللجنة البرلمانية وكذلك هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أن يقدموا كل ما بحوزتهم ، لنجعل من ٢٠٢٣
عام العدالة المنتظرة لمعرفة الحقيقة بشأن الفساد والفاسدين .