من يحصد ثمار الجائحة؟!
ثماني سنوات من الحروب التي لم تؤدِ إلى حسم، والحوارات التي لم تفضِ إلى حلول.. هي أكثر من كافية لتفتيت البنية المادية، لأيّ بلد، وتمزيق البنى النفسية والفكرية والاجتماعية والثقافية.. لأي شعب.
وهذا ما حدث في اليمن: الحروب الخاسرة، والحوارات الخائبة. تركت تصدعات هائلة على مختلف هذه الجوانب.. كما لم يحدث من قبل.
ماذا بعد؟!
لا أحد يدري.!
الأبواب مغلقة، والهاوية تبدو بلا قرار، واليأس هو سيد الموقف العصيب!
المؤكد فقط أن الشعب اليمني، في غالبيته. لم يعد يرى جدوى في الحرب، أو فائدة في الحوار.
كما لم يعد يثق بأيٍّ من الأطراف المحلية المتصارعة، أو يراهن على المبادرات الإقليمية والدولية والأممية.
فقط ينتظر. هذا الشعب المغلوب على أمره ينتظر شيئا لا يدري ما هو، أو كيف سيكون، أو من أين سيأتي؟!
ينتظر “غودو” ولا يدري أنه لن يأتِ.!
عندما يفقد الناس ثقتهم بأنفسهم وحدسهم..
عندما يخسرون رهاناتهم بنخبهم.
عندما يفقدون ثقتهم بقياداتهم ورموزهم..
عندما يفقدون أملهم وشغفهم بالحياة.
نكون أمام حالة جماعية حرجة هي الأكثر خطورة وفداحة.. على الإطلاق.
وكحالة عبثية عالقة بين الحرب واللاحرب، والهدوء المتربص، والضجيج العدمي.. المشهد اليمني اليوم. حالة غارقة في الضبابية وعلامات التعجب والاستفهام.
حالة طافحة بالمواجع والمخاوف والتناقضات..
فاجعة مفتوحة على الأسئلة الوجودية والمصيرية الأكثر عبثية، والإجابات العدمية الأكثر مرارة.
وكما في أي حالة بائسة يائسة ميؤوسة مماثلة.. هناك مستفيد من هذا الانهيار والتفتت والتآكل الحاصل، ولصالحه تصب هذه الحالة السوداوية الشاملة:
هذه الحالة هي الحالة التي تلجأ فيها الشعوب عادةً إلى الميتافيزيقيا، إلى انتظار الفرج من السماء، والحلول الغيبية من الأولياء والمخلّصين والمعجزات..
وهذه البيئة هي البيئة الأنسب والأكثر ملاءمة لانتشار وتجذر الدَجَل، والعقد النفسية والأمراض العقلية، والمتلازمات المرضية..
بعبارة أخرى: إذا لم تحدث معجزة واقعية، تقلب الأمر رأسا على عقب.. فالكهنوت هو المستفيد الوحيد.
هناك أكثر من كهنوت في اليمن، كهنوتات سنية وشيعية..!!
لكن. لا يحتاج الأمر إلى ذكاء من نوع خاص. لملاحظة أن الجماعة الحوثية هي أكثر أشكال وقوى الكهنوت في اليمن إمكانية للاستفادة من هذه الحالة، وجاهزية لحصاد ثمار هذه الجائحة.
*نقلا عن نيوزيمن.