عشر نصائح للأخ آل جابر.
أي تفاوض مع الإماميين هو عملية مُرّة، وإن كانت على مستوى تقاسم مياه بئر. استطاعوا أن يحولوا الملايين إلى عبيد سخرة، يعملون لديهم بلا أجر. لا توجد منظومة حكم تجبر شعبها على العمل بلا أجر، وتأخذ من الناس إتاوات بلا سقف، سوى ما يفعله الإماميون في اليمن. يتحصل الإماميون على دخل سنوي يتجاوز ما كانت دولة صالح تجنيه في أكثر سنوات حكمها استقراراً. عندما تجلس إليهم للتفاوض تجد نفسك فارغاً من عناصر الضغط والقوة: فليس لديهم شعبٌ يخشون عليه. ذلك هو عنصر قوتهم، لا قدرتهم العسكرية. فالمعارك الثلاث الكبرى التي سبقت الهدنة خسرها الإماميون عن جدارة: حرب شبوة، حرب مأرب، وحرب ميدي- عبس. فقدوا آلاف العربات وعشرات الآلاف من المقاتلين، وأبيدت قطاعات مقاتلة عن بكرة أبيها كما حدث في حرب ميدي – عبس.
يذهب الجنرالات والساسة إلى المفاوضات لأن لديهم، في نهاية المطاف، مجتمعات بشرية تعيش أزمة حادة. ضرب الجوع كل بقعة في اليمن، وقد شاهدنا كيف ماتت المئات أمام منزل رجل أعمال وهم يتدافعون للحصول على دولارين ونصف الدولار. يعيش اليمن أزمة مركّبة أخرجته من التاريخ، وحين يجلس الإماميون على طاولة للحديث فإنهم لا يأبهون بالمرّة لاحتمال فشل التفاوض، أي لأزمة شعبهم.
قدموا من صعدة، وذلك يفسّر جزءاً من الصورة. في العام 2014 كانت صعدة مملكة الحوثيين، وكان القطاع الطبي بأكمله يتألف من 9 ممرضات. لا يأبه الإماميون لما يحتاجه شعبهم، إذ تقول خبرتهم إن بمقدورهم إدارة الشؤون الصحية لمحافظة كبيرة بتسع ممرضات. كل عملية تفاوضية معهم ستفشل، فليس لديهم يد توجعهم. إن شعب الجنرال أو السياسي هو ما يوجعه ويشغل خياله. مثير ونادر أن تجلس للتفاوض مع جهة تبتزك بشعبها. يتوقعون منك أن تقدم تنازلات بلا حساب لإنقاذ شعبهم، في حين تنتظر أنت أن يأخذوا هم شعبهم بالحسبان. يظن الإماميون، على مرّ التاريخ، أن البشر حشو في دولة المُختارين. وهم هنا يختلفون، فلسفيّاً، عن كل جماعة دينية إرهابية. إذ يكفي، داخل أي جماعة إرهابية، أن تكون مؤمناً برؤيتها للعالم حتى تتساوى مع سائر أعضائها. وهكذا سيحل الظواهري في مكان بن لادن لأسباب غير عرقية، وسيعاد تقسيم الخير العام للجماعة مع سائر أفرادها بالعدل والقسطاس. ذلك أن تماس الجماعة يعتمد في المقام الأول على المساواة بين أفرادها وخفض منسوب الاستياء لديهم. هذا ما تفعله المافيا أيضاً. مع الإماميين يبدو الأمر مختلف، فالإرادة الإلهية العُليا ترفض المساواة ابتداءً. في الأدبيات الإمامية، منذ فجر التاريخ العربي الحديث، لا تلقي بالاً للشعوب. هناك إمام فائق القدرة، وهو كل شيء. على شعبهم أن يطوفوا حول عرايا أو جياعاً، لا يهم الحال الذي سيبدون عليه. لم يقل إمامي قط: شعبي.
يبدو هذا الحديث وكأنه تذكير بما نعرفه. الحقيقة أني لا أتوقع أي انفراجة مع الإماميين في صنعاء. ذهب السفير السعودي إلى المشاط وتحدث إليه متجاهلاً الخلاصة التاريخية التي قدّمها الراحل عبدالكريم الإرياني في حوار مع صحيفة الجيش: إذا أراد الله بالمرء سوءاً مدّ في عمره حتى يحاور المشاط. يلقي المشاط خطاباً أمام جزء من شعبه ويقول واثقاً: إن أميركا هي من تقطع رواتبكم. ربما كان هو شخصياً مؤمناً بما يقوله، فليست الإمامية في نهاية الأمر سوى حفلة من الفانتازيا والأوهام والدم.
ماذا يعرض السعوديون على الإمام عبدالملك؟ يعرضون عليهم الجنوب اليمني. يطلبون منه أن يوقف الحرب مقابل أن يمنحوه النفوذ والثروة على جنوب اليمن، أي ما يعادل مساحة ألمانيا الاتحادية. من المفترض أن تجري المفاوضات على نحو آخر: أن يقال للإماميين أنهم لن يعودوا إلى الجنوب، أن يسيّج الجنوب بجيش وحماية داخلية وخارجية. زودتهم إيران بأسراب من الطائرات المسيّرة، وبمقدور السعوديين أن يسهموا في تأسيس في جيش يمني بقدرات مماثلة ليخلقوا وضعاً تتوازن فيه القوى. سبق للخليجيين أن أوقفوا نقاشات جارية حول شراء طيران مسيّر تركي، وكان من نتيجة ذلك التدخل أن وجد السعوديون أنفسهم يتحدثون بنبرة خفيضة أمام المشاط. التجربة الأوكرانية نقلت لنا صورة غنية عن كيف استطاع الأوروبيون، من خلال دعم عسكري سخي للجيش الأوكراني، أن يدفعوا بوتين للبحث عن وسطاء سلام، وللحديث عن العيش المشترك مع دولة كان حتى الأمس يقول إنها وهمية. يفكر السعوديون بالخروج من المستنقع اليمني دون أن يعطوا أنفسهم المهلة الكافية لدراسة ذلك المستنقع. عندما رأوا في الإماميين تهديداً أمنيّاً لهم كانوا أيضاً يحتجزون في جدة سفينة سلاح في طريقها إلى الجيش اليمني.
دخل السعوديون الحرب متوهمين أن بمقدورهم، من خلال المقاتلات الأميركية، حسم المعركة خلال أسابيع. وهم الآن يخرجون منها معتقدين أن بمستطاعهم رشوة الإماميين بالمال. من وهم إلى وهم، ذلك أن السعوديين تعالوا على المسألة اليمنية ووضعوا ملفاً بالغ التعقيد في قبضة ضباط من الدرجة الثالثة، وانشغلوا بشؤونهم الكبرى.
– حين تجلس للتفاوض مع الإماميين لا تسمح لهم بالإشارة إلى جنوب اليمن. لا بد أن يعرفوا أنهم أصبحوا خارج ذلك المكان. اذهب إلى الجنوب، ابن جيشاً حقيقياً قادراً على الدفاع عن نفسه في حرب مفتوحة. جيش بقدرات جوية وبحرية وبريّة. على السعوديين أن يتذكروا أن الجيش والمقاومة الجنوبية حسمت معركة شبوة الأخيرة في بضعة أيام لمجرّد أنها زوّدت بمسيرات فاعلة.
– بدلاً عن أن يفكر السعوديون بدفع رواتب التشكيلات العسكرية للإماميين، كما تقول مسودة الاتفاق الأوّلية، عليهم أن يوحدوا الجيش اليمني شمالاً وجنوباً. استطاع الجيش في مأرب الوقوف أمام موجات عسكرية إمامية على مدى عامين أو يزيد. احتاج الجيش في معركته تلك إلى الإرادة والغطاء الجوي، وحصل عليهما معاً.
– أراد السعوديون أن يطيروا بأنفسهم في سماء اليمن، وتلك كانت مشكلتهم. الحرب في اليمن هي حرب بين أهل اليمن وجماعة إرهابية اسمها الهاشميون. هي شأن يمني صرف، بغض النظر عن تعالقاتها الدولية. لا يطير الأوروبيون فوق سماء أوكرانيا، وبهذا تجنبوا مواجهة مباشرة مع روسيا. لتغادر السعودية المعركة اليمنية، ذلك هو القرار الصحيح. ولتعمل مع سائر العرب على توحيد الجيش اليمني من مأرب إلى المهرة، وترقيته بالسلاح بما يجعله قادراً على الردع.
– الإماميون لم يكسبوا معركة كبيرة حتى الآن. ومنذ رحيل صالح، الرجل الذي صنع لهم الانتصارات، فقدوا قدرتهم على المبادرة والغزو. بدلاً عن إدارة حوار عابث مع الإماميين على السعوديين أن يوفروا جهدهم لصالح حوار جدّي وصريح بين اليمنيين. يذهب السعوديون إلى التفاوض ومن خلفهم حليف ممزق عسكرياً واقتصادياً. اليمن حليف وليس تابعاً، تأكدوا أن الحليف على ما يُرام. بماذا يهددكم الإماميون؟ بقصف موانئ التصدير بالمسيرات؟ عليه أيضاً أن يعلم أن موانئه ستدخل ضمن دائرة الاستهداف، وليفعل ذلك اليمنيون أنفسهم. الإماميون جماعة إرهابية، لكنها أيضاً تخضع لقوانين الردع، وليست مقامرة بلا ضفاف.
– ماذا يفعل الإماراتيون في اليمن؟ عليهم أن يغادروا الأراضي اليمنية بما إنهم أعلنوا أكثر من مرّة أن مهمتهم قد انتهت. احتلال الإماراتيين للأراضي اليمنية منح المفاوض الإمامي ورقة إضافية أمام المفاوض السعودي. ترى الإمارات أن مكاسبها ستستقر فيما لو بقي اليمن ممزقاً. ويتجاهل السعوديون حقيقة أن مكاسبهم، وفي مقدمتها الخروج الآمن اليمن، ستتأكد فيما لو توحدت الجبهة اليمنية سياسياً وعسكرياً. يعمل الإماراتيون لصالح رؤيتهم القائمة على التمزيق، وفي المقابل لا يبدو السعوديون جهوداً لصالح أنفسهم.
– تقوم الرؤية السعودية الأحدث لحل المسألة اليمنية على أساس التقسيم. يسيطر الإماميون على شمال اليمن، والجنوبيون على جنوب اليمن، ويترنّح جزء من اليمن [تعز، مأرب، وأجزاء من حجة والحديدة] في الفراغ. يبدو أن التقسيم هو الحقيقة التي آلت إليها هذه الحرب، وأن الإماميين لن يندحروا من صنعاء في العقود القادمة. لماذا يُعرض عليهم جنوب اليمن أيضاً؟
– سيفيق الحوثيون حين يدركون أنهم صاروا، بلا رجعة، خارج الجنوب. وسيفيق اليمنيون حين يدركون أنهم صاروا بلا أمل خارج صنعاء، وأنهم لن يكونوا فيها أكثر من رعايا. يرتكب السعوديون جريمة سياسية كبرى بمساومتهم بجنوب اليمن. الإمارات لا تبدي اعتراضاً،كما وعدت. يبدو أنها لم تعد قادرة على الحديث إلى السعودية على مستوى القامة. غير أنها قادرة على تخريب اللعب كما تفعل في السودان وليبيا، وتزعزع أمن مصر القومي من جهتين.
– يهدد الهاشميون بشن حرب على جنوب اليمن لاستعادة الثروات، كما في خطاب حديث للإمام عبدالملك. لماذا لا يفكروا بإعادة اقتحام شبوة؟ الحرب التي خسروها، على ذلك النحو المذل، وضعت حدّاً مؤقتاً لطموحاتهم. على السعودية أن تتأكد أن الجنوب صار منيعاً، وأن تعمل على دعم تلك المناعة بدلاً من إهدار أموالها لصالح الهاشميين في عملية سلام واهمة.
– وبدلاً عن مؤتمر سلام مغشوش، بمستطاع السعودية أن تدعو لمؤتمر دولي في الرياض تعلن فيها خرجوها النهائي من اليمن، مع القوات الإماراتية، وتحرَّض المجتمع الدولي على إعادة إعمار اليمن الذي لا يسيطر عليه الإماميون. أن تفتح المطارات والموانئ، وتفتح خطوطاً سرية لترقية الجيش اليمني بما يجعله قادراً على أن يكون جيش دولة لا تشكيلات عسكرية تعمل بالإيجار. سيؤدي مثل هذا إلى تقسيم اليمن لفترة من الزمن، وذلك هو ما تنتهي إليه كل حرب طويلة.
– وليترك الإماميون في مأزقهم مع شعبهم، وليضع كل يمني في الشمال والجنوب نفسه على أهبة الاستعداد. فالجياع الذين أزهقوا أرواحهم من أجل 2 دولار سيخرجوا غداً، أو بعد غدا، ليأكلوا قاوقات بني هاشم ولحاهم.