تسوية الملف اليمني الواقع والطموحات هل تنجح التجربة وبناء الثقة؟
حاجتان فتحت أمل التسوية السياسية بين أطراف الصراع في اليمن مع كثير من التحفظات والمعطيات الغير إيجابية هما: زيارة وفدي المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى العاصمة التاريخية صنعاء والالتقاء بما يسمى رئيس المجلس السياسي الأعلى المنصب من قبل مليشيا الحوثي وعدد من القيادات وسط أحضان وابتسامات عريضة.
الأمر الآخر إتمام عملية تبادل الأسرى والمعتقلين على قلتها 706 مقابل 181 ، وهي صفقة بالتأكيد لا تلبي حقيقة هذا الملف الأشد حساسية، وهو من أكثر الملفات الإنساني ربما التي تم العبث بها خلال 8 أعوام من قبل جميع الأطراف المتصارعة وكذلك الوسطاء.
إذا وصل محمد آل جابر السفير السعودي إلى اليمن على رأس وفد مفاوض والممسك فعليا بالملف اليمني منذ ما يقارب العشر سنوات، بالتزامن مع الوفد العماني الوسيط الذي تحوم حوله الكثير من علامات الاستفهام؛ نظرا لما كان خلال الفترة الماضية من تهريب سلاح، وأدوات اتصالات وغيره عبر منفذ عمان دون وجود تعليقات واضحة من قبل الأمن العماني، باستثناء نفي بعض التهم التي تم توجيهها من قبل أطراف يمنية بأن هناك تواطؤ.
ولأن المقام هو الحديث عن التسوية والتحركات الأخيرة سيتم تجاوز تلك الإشكاليات وإظهار البارز اليوم والتعاطي مع الحدث والتخوفات من أي انتكاسة في عملية السلام التي لا يزال الحوثي يظهر تصلبا غير إيجابي.
تم الزيارات وعادت الوفود إلى أماكنها وسط اشادات من جهة وتسريب أخبار غير سارة من جهة أخرى بالإضافة إلى إتمام صفقة تبادل الأسرى 806 مقابل 181 وهو رقم يعيد إلى الأذهان بأن المليشيا ما تزال تفرض شروطها على الجميع باستثناء أن هناك قيادات كبيرة مثل ناصر منصور ومحمود الصبيحي ومحمد صالح وعفاش طارق.
مراقبون سياسيون يرون كثير من الغموض في عملية التسوية على اعتبار أن الحوثيين في اليمن لديهم مشروع ومن المستحيل التخلي عنه قبل استكماله؛ مشروع سياسي مغلف بالطائفية أو العكس طائفي مغلف بالسياسة والمحاور المقاومة والشعارات السطحية.
بالإضافة إلى السؤال الأهم هل ستتخلى إيران بالسهولة عن دعم حلفائها وهي تثبت كل يوم أن دعم هذه الاذرع جزء من الثوابت وامتداد لقوانين مسنونة في دستورها وهو التزام أخلاقي كعقيدة شيعية؟.
مفاوضات بناء الثقة أم إنهاء للصراع
على ما يبدو أن عملية السلام الحالية تقوم على مسارين أو أكثر، المسار الأول هو حاجة معظم هذه الأطراف إلى عملية تهدئة وليس سلام شامل وكامل، لأن التهدئة غير السلام ولكل منهم قواعد ومدخلات وأرضية؛ وعليه ستذهب جميع الأطراف بما فيها السعودية إلى أبعد مدى فيما يخص احتواء الأطراف اليمنية، وكبح جماح الحوثية؛ عبر التعاون مع إيران وإعادة العلاقات وإبداء حسن النية، وكما يقول المثل: (اذا رأيت عفريتًا وانت تسير ليلًا، اقرأ عليه سورة “يسين” والحجر في يديك) بمعنى لا تكتفي بالسورة.
المسار الآخر هو محاولة المملكة العربية السعودية إزاحة عن كاهلها الملف اليمني وهو ثقيل جدا، ليس بالتخلي عن حلفائها تماما أو ترك اليمنيين يواجهون مصيرهم ومستقبلهم لوحدهم على الأقل شكليا، وإنما التفرغ لرؤية 2030 وتقديم الدعم بالصورة التي لا تنعكس بشكل سلبي على الداخل السعودي، وهذا قد يؤدي بالأمور إلى منحدر مختلف، فإن ظل الحوثي متمسك بأفكاره الطائفية والطريقة التي يدير بها البلد سياسيا واقتصاديا ودينيا، فإنه سيرتكب مزيد من القمع والاعتقالات والتجاوزات التي ستكون أسوأ بكثير من التي قام بها من قبل، وسيظل محل سخط أمام المجتمع وسيكون على المواطنين مواجهة هذه السلطة لأنه من المستحيل تحمل هذا الوضع الذي فرضه الحوثي كأمر واقع إلى ما لا نهاية وستخلق بؤر مقاومة بكل تأكيد.
وهنا نعود بالأذهان إلى الحروب الستة 2004 و2006 والتي كان فيها العديد من المحطات ومحاولة احتواء هذه الجماعة وإيقاف الحرب وإيقاف الصرخة التي بدأت تنطلق من الجامع الكبير بمباركة كثير من القوى السياسية وكذلك بعض الشخصيات البارزة في الإعلام والصحافة والأمن والجيش، نكاية بالنظام ليس أكثر أو انتماء إلى فيصل ما يسمى بالهاشمية، التوجه الذي أدرك أبعاده الكثير فيما بعد أي بعد وقوع الفأس في الرأس.
بالإضافة إلى الاتفاقيات في أواخر العام 2014 وكذلك اتفاق السلم والشراكة مرورا بمفاوضات الكويت 1 الكويت 2 واتفاقية السويد 2018 حتى الاتفاقات الأخيرة على الهدنة وتمديدها.
كل تلك التجارب لم تكن كافية حتى لفتح طريق واحدة رئيسة في محافظة تعز أو مأرب أو الجوف أو البيضاء أو حجة أو الحديدة، ما يعني أننا سنكون أمام تجربة جديدة ومختلفة قد تكون أكثر وضوحا من ذي قبل رغم التعقيدات التي اوجدها الحوثي في المشهد السياسي وداخل المجتمع ومن خلال تغيير ملامح مؤسسة الدولة بمسميات جديدة خلال 8 أعوام على الأقل، وهي كافية لإيجاد الف عقبة في طريق تطبيع الأوضاع وعودة البيت اليمني إلى سابق عهده.
تكهنات تنتظر النتائج
إذا جميع هذه القراءات تظل في طور التوقعات حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بعد الاتفاقية التي رعتها (بكين) بين نظامي إيراني والسعودية والذي على ضوئها كانت هذه المفاوضات، التي تسير وفق ضمانات حسب المعلومات وشروط أو “خارطة طريق” متكاملة ربما يعلن عنها إجمالا قبل حلول عيد الفطر المبارك.
وأخيرا الأمور ليست معقدة نتيجة لوجود مليشيا الحوثي بكل تصرفاتها، بل أن هناك تعقيدات في واقع الشرعية نفسها والتي لا تزال غير مستقرة نتيجة حضور القضية الجنوبية باستمرار إلى جانب الاختلالات التي لم يستطع مجلس الرئاسة بقيادة الرئيس رشاد العليمي ونوابه السبعة الوقوف عليها وحلها، الجانب الأمني والعسكري والاقتصادي والبنك المركزي وقضايا الفساد التي تلوح هنا وهناك.