عن عادل الشجاع خلال السنوات الماضي
في ثنايا حوار الحـزب الحاكم وأحـزاب اللقاء المشترك بالعام 2009، كانت أحزاب المعارضة تُصر على ضرورة تأجيل الانتخابات البرلـمانية المزمع عقدها بعد عامين في أبريل 2011، تمامًا كما أصروا على رفض تأكيدات الحزب الحاكم بخصوص شفافية الانتخابات ونزاهتها، رفضوها ورفضوا إجراء الانتخابات، ورفضوا التعديلات الدستورية المستوعبة والضامنة لنزاهة الانتخابات..
في ذلك الحين كان الدكتور عادل الشجاع أحد المشاركين بجلسات الحوار السياسي بين الطرفين، وفي أحد أيامها وقف متحدثًا وناصحًا ومحذرًا جموع الحاضرين المتفقين على تأجيل الإنتخابات، يومها قال لهم بعبارات واضحة: لا تفرطوا بالإنتخابات وما تم تحقيقه، لا تفرطوا بها في بلد نامي، الإنتخابات عملية تراكمية خصوصًا في هذا البلد الناشئ ديموقراطيًا، لا تؤجلوها أبدًا، حتى ولو كان فيها تزوير وشكوك ومبالغات، لا تؤجلوها بالرغم من صراعكم وأولوياتكم، لو تم تأجيل الإنتخابات الأن لن تعود مرة أخرى، عليكم معرفة هذا، كما عليكم إدراك ماهيّة بناء الدول، وفتراتها البعدية، والأوقات التي تحتاجها الدول لتصل لمراحل الأمان والإستقرار والعمق.
قالها لهم بفمه المليان وقناعته العارفة بمجريات الدول والنظم السـياسية، لكنهم لم يهتموا له، ولم يفكروا قليلًا في كلامه، لتمر عليهم أشهر لاحقة، دعاهم فيها الحزب الحاكم لاستمرار الحوار والعودة للنقاشات، ولكنهم بعد ضمانهم لتأجيل الإنتخابات، رفضوا الحوار مجددًا مع الأخرين، ومضوا يرتبون خطواتهم التي خسفت بعدها بكل شيء.
الدكتور عادل الشجاع، عضو اللجنة العامة للموتمر الشعبي العام، ورئيس التحالف المدني للسلام وحماية الحقوق والحريات، وأحد أبرز المثقفين والكتاب والنقاد والسياسيين الذين برزت أصوات المتوازنة والناصحة للجميع، في الفترة الأصعب سياسيًا إبان 2011 لم يتخل عن النظام والدولة والمشروعية الحاكمة، لم يترك دولته خلال موجة الربيع العربي وثورة المطالبين بأسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح، بقي إلى جانب الرئيس ونظامه ومكوناته، في فترة حساسة غاب عنها معظم مثقفو الحزب الحاكم وكتابه وصحفييه، فترة تلاشت فيها أصوات متصدري الحزب الحاكم، وأقلامه ومتحدثيه ومثقفيه، لقد تقدم عادل الشجاع من خلف الأضواء، صوتًا صادحًا، وخطيبًا مفوهًا، وضوءًا أبطل بظهوره ألات الأخرين، بمفرده وإدراكه ومعرفته العميقة، ومن أخر الصفوف، بعد أن كان منسيًا ومتروكًا ومحاربًا من القيادات البارزة والمتحكمة، القيادات التي تركت النظام والدولة في لحظات التفريق الأولى، تركوا كل شيء، وصمتوا، ثم ذهبوا يبحثون لأنفسهم عن حصص قادمة مع توقعات الأحداث القادمة، إلاّ عادل الشجاع. المثقف والدكتور والسياسي والناقد والرجل الشجاع، لم يتوقف عن التحذير من مغبة إسقاط النظام، ومخاطر إسقاط المنظومة المؤسسية، كان يحذر في كل القنوات من مخاطر التقليد والأفكار المستوردة، ومن عواقب الإهلاك المنظم لنظم الدولة المتشكلة بالتراكم منذ ستين سنة..
لم يكن أحد ليهتم بما يقوله، لكنه لم يصمت، ولم يهرب، ولم يتهرب من ضميره وواجبه، وأصبح أخر الأضواء المتماسكة في أوج فترات الظلام. بعدها حدث كل شيء مما قاله وحذر منه، وذهبت الدولة للمحاصصة والتهالك، وتغير النظام، وتبدلت المعادلة، ليصبح معها بذات الرأي والقناعة وفي ذات التوجه والافكار، بعدها ظل يحذر طيلة سنوات الصراع السياسي بين نظام الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح، كان ينصحهم احتووا الرجل، هذا أحد المؤسسين، والتطرف في معاداته ستخسف بالجميع، هذه الممارسات الساذجة غير مبررة تجاه الرجل، يجب أن تحترموه، ويجب أن يجتمع الإصلاح في طاولة واحدة مع المؤتمر الشعبي، يجب أن يتحاوروا لأجل الدولة والشعب، لكنهم تجاهلوه ولم يهتموا به أبدًا، ليحدث بعدها ما تحدث عنه، لتقع المجريات المحذورة تمامًا كمان يقول لهم، لكنهم تكبروا عنه وحصدوا عواقب كل شيء.
هكذا برز صوت عادل الشجاع، ناقدًا وصارمًا وواضحًا ولا يخشى المعايير المختلفة، لا يتملق أحد، ولا يخشى على صورته ونرجسيته، ولا يحابي طرف على حساب الأصوليات، ليعود بعدها مجددًا بالتحدث الجريء، إبان تحالف صالح مع الحـ ـوثيين، كان يرفض الأمر برمته، ومعه استمر في التحذير منه، ومن عواقبه، حتى حدث ما كان يقوله ويتحدث به، لتدور الأحداث نحو توقعاتها التي تنبئ بها، حتى حذر جمع الذاهبين في ركاب التحالف العربي، محذرًا إياهم من دوافع الجنون والانتقام والاستهداف، كان يصفهم بالمخدوعين والأشخاص المخذولين، وفي أحد مقالاته حذرهم من نهاية التخلي عنهم، قال لهم يومها: ستتحقق أهداف الحرب المبنية على أساس شرعيتكم وتنظيماتكم، ثم سيتركونكم دون اهتمام، وعلى مآسيكم سيضربون الأمثال، وهذا بالفعل ما حدث ويحدث، وكل يوم تثبت الأحداث مصداقية كلام عادل الشجاع، هذا ما أنصدم به دائمًا مع كل مقارنة أو تفكير.
عادل الشجاع، هذا الرجل العصامي الصادق والذكي والمجتهد والطموح، وصاحب الإمكانيات العلمية والقدرات السياسية.. شجاعته وانتقاداته الصادقة للمؤتمر الشعبي العام إبان حكمه وسلطته، جعلته بعيدًا عن مكامن القرار، وصنعت له عداوات داخلية أبعدته كثيرًا، حتى أعجب به صالح في سنواته الأخيرة، وقربه منه، ورفعه للجنة العامة، ليس لشيء، إنما لمعرفته الشخصية بحقيقته وعصاميته وأراءه الصادقة والذكية، عن رجل عصامي لا يبيع ولا يتملق ولا يتلون، ولا يقول سوى الحقيقة، ولكنهم لم يتركوه، وحاولوا تخويفه وتهديده في صنعاء حينما قامت بسيارة بالإسراع نحوه في شارع بغداد لصدمه بشدة، مع نية مسبقة لتخويفه وتحذيره وربما قتله، لكنه نجى، وفي تجاربه القديمة تعرض للكثير من التشكيك والتحذير والتخوين، بتهم العمالة والعلمانية والتخابر، وبكونه أمن سياسي وأمن قومي، ورجل خطير جدًا، وتهم أخرى عن كونه إخواني وناصري وبعثي ومندس وينتمي سريًا لتيارات مناوئة، كان يعيش في ساحة التغيير إبان ثورة الشباب، ليتعرض للمضايقات والتهديدات والاستهدافات الشخصية، مما أجبره على المغادرة، ليعيش منفيًا داخل مدينته ووطنه. وفي فترة أخرى من حياته، تعرض للسجن في الأمن القومي، ثم افرج عنه، ليعمل مدرسًا في جامعة صنعاء ودكتورًا للنقد والادب، بدون أن ينال مناصب إدارية عليا، مع كونه صار عضوًا مهمًا في اللجنة الدائمة، لكنه بقي نظيفًا، وبعيدًا ورجلًا لا يستسيغه الكثيريون، وجراءته وشجاعته أودت به في الكثير من العداوات والاستهدافات الشخصية، وبسببها أبعدوه من مؤتمر الحوار مع كونه احد المرشحين الموكدين..
الدكتور عادل، من المثقفين القلائل، ذوي القدرة على التأثير في الآخرين، قدرة تنتهي بتوجيه الأشخاص وقيادتهم والاستفادة منهم حسب أهداف معينة، وهو من النخب الاستثنائية اليمنية، النخب التي لديها إمكانية المشاركة في صياغة التوجهات، واتخاذ القرارات، واقتراح الأفكار، وتوقع الأحداث، ولكنهم في كل الفترات والازمنة بعيدون تمامًا عن مراكز القرار، نتيجة صلاحيات وسلطات الانتهازيين والبراغماتيين والنرجسيين والمزيفين، وعادل الشجاع عانى كثيرًا من معظم الأحزاب والمكونات المختلفة، من القيادات المؤتمرية، ومن القيادات المعارضة، ليجد نغسه مرغمًا على الإبتعاد تمامًا عن الواقع والجغرافيا والروابط الحزبية والوظيفية، ليصبح متحررًا من قيود الأخرين وتوجهاتهم، ذهب إلى أوروبا، وبقي يتابع الشان اليمني من هناك، يتابع كل التفاصيل والمجريات، دون انعزال، ليكتب ويقول ويتحدث، بدون التزامات الرعاة والداعمين، وبدون معايير محدد مسبقًا، لقد رحل عن الجميع ولم يتوقف بعدهم عث النصح والتوضيح، كأخر الرجال الصادقين والعارفين والناصحين.
حكايته طويلة، وتفاصيلها كثيرة، لكنه رجل تربى على يد والدته العصامية، في فترة اغتراب والده، ومنها صارت عصاميته وشجاعته أمورًا ثابته في شخصيته وتعاطياته، عصامية شديدة ورجولة متقدمة وشجاعة سياسية، أراءه ناضجة، وتوقعاته ثابتة، ونصائحه دائمة، وانتقادات في محلها ولو لم يرضى عنها أحد، لا يسعني هنا الكتابة عن بداياته وجنديته وحياته في تعز والجوف ومأرب وصنعاء، ومنبر الخطابة بمسجد قريته، لا يسعني ذكر المزيد، ولكنني سأفعل ذلك مرة أخرى، أعدكم بهذا..
أخيرًا،
هذه خالص التحايات إليك أستاذ عادل، نحن من تلاميذك ومتتبعيك، ونعرف جيدًا كيفية التفريق بين الخطابات والنوايا، وبين تواريخ الأحداث والاشخاص، وبين دوافع الظهور من أجل الرواج والانتهازية أو الشعب والحقيقة، نعرف جيدًا منهم المنصفون الصادقون، ومن هم المتملقون على موائد الفتات، سنكون بخير، وستكون بخير، وسيكون تاريخك وحياتك ونضالك، عنوانًا لنا وللقادمين الجدد من بعدنا، ثق بهذا، وعليك السلام.