مصر الرئة التي نتنفس منها
تنفستُ ذات صباح في مدرسة خالد بن الوليد بصبحة (وصاب العالي محافظة ذمار) من رئة مصر.
دخلت الفصل طفلا وكان المعلم واقفا بهيئة أبي، ناديته بعد طابور الصباح وأنا في الفصل (أباه) ردّ:
أنا أبوك ومُعلّمك في المدرسة.
تعرّفت وعرفت بعدها أني طالب ومن الضروري ألتزم بواجباتي ومدرستي، سيما وأن أبي، رحمه الله، كان حازما بخصوص دروسي وتعزيز قيم الثبات والاستعداد للحياة في أبنائه.
أنتقلتُ بعدها لصنعاء، أذكرُ وأنا في الصف السادس ابتدائي درستُ بمدرسة هائل سعيد أنعم في العاصمة، عرفتُ يومها مصر أكثر وهناك توثّق وِثاقٌ ما، ما بين قلبي وعقلي من جهة ومصر من جهة ثانية.
تعاظمت هذه الصلة حتى انتقلتُ لمدرسة جمال عبدالناصر في ميدان التحرير بصنعاء التي درستُ فيها الإعدادية وحتى الصف الثالث الثانوي.
كان للمعلم المصري فيها وقعٌ خاصٌ ومكانةٌ مختلفةٌ لازمتني دوما حتى في الجامعة التي كنتُ متأثرا فيها بمصر، بدكاترتها وبكل تفاصيلها وعظمة نيلها وخلود وهيبة فراعينها ومسلسلات رمضان الدينية وفيلم “الرسالة” أيضا.
وكذلك مسرحيات وأفلام إسماعيل ياسين وعادل إمام وسعيد صالح وسمير غانم وغيرهم الكثير، إلى جانب روايات نجيب محفوظ وخيري شلبي وإحسان عبدالقدوس ويوسف القعيد ونبيل فاروق وفهمي هويدي.
وكتابات وضوء الكبير محمد حسنين هيكل الذي كان حُلم حياتي مقابلته والسلام عليه.
وأعترف هنا أني تعلقتُ به كثيرا قبل وفاته -رحمه الله- سيما من خلال مقابلاته مع الإعلامية القديرة لميس الحديدي.
أضيفُ قبل الختم:
أتذكرُ مصر في مدرسة قريتي في وصاب وأتذكر أستاذي المصري البلتاجي في مدرسة جمال عبدالناصر في التحرير بصنعاء وابن الشرقية عبد الغفار.
لقد امتلأتُ حبا واحتفاء وتأثّرا بثقافة وروح الكنانة وجمالها، أحببتها حتى الاكتمال بها، مصر التي حافظت دوما على العهد ووفت بالوعد.
وأثقُ أنا ومثلي جيل يمني وعربي كبير وواسع بعظمة ومكانة مصر التي أحبها وحب هذا المدد وأرتشف من فيض “أم الدنيا” التي علّمتنا
كيف نكتب ونعبر ونحب ونحلم ونقف ونتماهى ببعض كما يتماهى الطين بالمطر.
لقد علّمتنا “المحروسة” السينما وشربنا منها ومن نيلها رحيق الحياة، فطمتنا على المدنية والإبداع وثوابت العروبة.
مصر ونيلها يسريان في دمائنا.. مكانتها خاصة خصوصية مخصوصة خالصة وافرة العطاء، صادقة الحب والوفاء في وجدان اليمن أرضا وإنسانا، تاريخا وثقافة وعروبة.
عُرى اليمن بأم الدنيا وثيقة، نحبها وتحبّنا، إنها الحبل السري الذي يمدنا بالوصل المديد والتاريخ التليد والذكر الحميد.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك.