المدارس الداخلية الحوثية الامتداد الأسوأ للمراكز الصيفية كيف يتم تفخيخ المجتمع في الشمال
تأتي التعبئة العقائدية المتجاوزة لكل ما هو ثابت على رأس أولويات جماعة الحوثي في تغيير مفهوم الحياة والعلاقات لدى جيل متكامل من النشء والشباب ومن لديهم قابلية التلقِّ، وهي أحد أهم مخرجات الدورات الثقافية والخطاب الطائفي.
نماذج من الواقع
قبل أيام قليلة قام الشاب الثلاثيني مجاهد منصور الحداد، أحد الذين التحقوا با”المسيرة القرآنية”، الصفة التي أطلقتها الجماعة أو أنصار الله على مشروعها، بعد أن كانت تعرف باسم “الشباب المؤمن”، بالاعتداء على الشيخ العجوز عبده علي محمد 90 عامًا، منطقة الكرب السارة “مديرية العدين”.
يقول المجني عليه في إحدى الفيديوهات التي تم تداولها على نطاق واسع: اعترضني في الطريق وقام بتثبيتي على جدار أحد المنزل، حاول خنقي وظل يشدني من رأسي بقوة وبشكل متكرر حتى سقطتُ أرضا.
واضاف. شتم وجهي وجبهتي مكان سجودي، وأطلق بعض الشتائم الجارحة وهددني بأنه سيقوم بهدم وتفجير منزلي وأنا شيبة إذا وقفتم معي لا بأس، واذا لم تقفوا ليس عليكم ملامة.ثم ختم اناشد الدولة القيام بمهامها وضبط المذكور والتحقيق معه.
كان هذا العجوز يعي أن الدولة سقطت منذ وقت مبكر، وأن السلطة الحالية ليست سوى مجموعة من العصابات، تتعامل مع المواطن بالطريقة ذاتها التي تعامل بها (مجاهد منصور)، أحد المتحولين، نتيجة الدورات التي تكرسها الجماعة نفسها أوساط الشباب.
كل ذلك بسبب اعتراضه على مضمون خطبة الجمعة المليئة بالأفكار الطائفية، التي لم تكن تعرفها مطلقا محافظة إب ومديريات العدين الأربع إلا مع مجيء مليشيا الحوثي.
المدارس الداخلية
تعد “المدارس الداخلية” التي تديرها المليشيا في العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرتها، هي الامتداد الأسوأ للمراكز الصيفية التي كانت تقام منذ وقت مبكر بصورة غير مباشرة قبل أن تؤول أمور السلطة بشكل كلي لجماعة الحوثي.
مصادر خاصة، أكدت أن عدد من المدارس الأهلية الخاصة التي تم إنشاءها مؤخرًا، تقوم بتدريس “فئة عمرية” معينة طيلة أيام الأسبوع مع التكفل بما يتعلق بالسكن الداخلي.
المصادر أفادت بأنها تفاجأت حين التقت أحد هؤلاء الطلاب خارجًا من إحدى المدارس، ووجدت هيئته وملابسه وعمامة صغيرة على رأسه، قبل أن يخبرها بأنه في مدرسة داخلية ولا يخرج منها إلا الخميس لزيارة (الأم) فقط ويعود مساء الجمعة.
وأضاف بأنهم يمنعونهم من الاحتكاك كثيرًا بالآخرين، حيث تقتصر الزيارة في الغالب على اللقاء بالامهات فقط، غير أنه لم يَعرف طبيعة المنهج والمحاضرات التي يتم توجيهها في مثل هذه المدارس.
ممارسات شبيهة
هذه الطريقة كان يمارسها (المرتضى المحطوري) أحد أهم المرجعيات الزيدية الشيعية، كان يملك جامع ومعهد (بدر) في سوق عنس بمنطقة الصافية قلب العاصمة، وكان يتخذ منه منزلا وسكن داخلي.
تشير المصادر والتقارير إلى أنه كان يخزن بعض الأسلحة ويدرب طلابه عليها، وكان كثير الزيارات إلى إيران، وقد تعرض للاعتقال والمساءلة أكثر من مرة من قبل الأجهزة الأمنية إبان النظام السابق.
قتل المحطوري لاحقا مع بداية اندلاع الحرب في تفجيرين انتحاريين ضرب جامعي (الحشوش وبدر) أثناء صلاة الجمعة مطلع 2015. كانت أصابع الاتهام تشير إلى جماعة الإخوان المسلمين (الإصلاح) الجناح المتطرف، غير أن هناك إشارات واضحة إلى أن (النظام الإيراني) ممثلا بسفارته في صنعاء من يقف خلفها، وان الهدف منها تهييج أبناء القبائل وتصوير الآخر بأنهم دواعش حيث كانت النتيجة وصول عناصر الجماعة من المقاتلين إلى عدن جنوبا، تحت مبررات عدة، وهي الخديعة التي وقع فيها كثير من الشباب المقاتل حتى اليوم.
الحالة شبيهة بالمعاهد العلمية أيضا التي كانت تتبع جماعة الإخوان المسلمين، والتي تأسست بعد انتهاء صراع الجبهة الوطنية (الشيوعيين) من جهة والسلطة والجبهة الإسلامية (المرتزقة) من جهة أخرى 1980م_1982م، وهي التسمية التي كان يطلقها كل طرف على الآخر، إضافة لمعاهد السلفيين التي كانت موجودة في منطقة “دماج” و”معبر” ومناطق أخرى، مع الفارق أن الحوثية أخطر بكثير لارتباطها بالجانب العقائدي الشيعي المتطرف المرتبط بإيران بعديه السياسي والتاريخي.
هذه المدارس تأتي في إطار التوجه الحوثي الذي يقوم على تكريس أفكار طائفية، هدفها تعبئة عقول النشء والشباب من واقع ملازم حسين الحوثي الذي قتل أثناء الحرب الستة مع الدولة 2004م، ومحاضرات زعيم الجماعة الحالي عبد الملك الحوثي، وكل ما يتعلق بالفكر الشيعي الاثنا عشري وشماعة “محور المقاومة” في مواجهة امريكا واسرائيل.
الحالة الأسوأ
وتعد مخرجات المدارس الداخلية وكذلك المراكز الصيفية هي الحالة الأسوأ في المرحلة الحالية، إلى جانب السيطرة المطلقة على التعليم، ومنابر الجوامع، والمناهج الدراسية، وفرض دروس طائفية، وإقامة دورات ثقافية مكثفة لكل أفراد المجتمع دون استثناء.
ناهيك عن ابتكار قوانين جديدة مرتبطة بما أسموه فكر (الاشتر النخعي) ومنهج (الإمام علي) والولاء لعبد الملك الحوثي.
ولعل “مدونة السلوك الوظيفي” الحالة الأبرز لتلك التوجهات والمدخلات، بكل ما تحمله من مخالفات صريحة وتناقضات، حيث يتفوق الجانب النظري على الواقع العملي في جوانب عديدة فتغيب مسألة محاربة الفساد يغيب العدل والمساواة وعدم منح الآخرين أبسط حق من حقوقهم داخل مؤسسات الدولة.