أبو حنيفة والشافعي ومالك كانوا متشيعين للعلويين سياسيا
المعروف تاريخياً أن أبا حنيفة والشافعي ومالك بن أنس كانوا من المشايعين للعلويين سياسياً.
كانوا يرون فيهم الأفضلية على بني أمية، وبني العباس.
ليس فقط الأفضلية من منظور النسب، مع أن هذا المنظور لا يمكن استبعاده، ولكن أيضاً لأن العلويين، وبسبب وجودهم آنذاك في موقع المعارض المضطهد والمحروم، كانوا أقدر على الظهور أمام الناس بمظهر أهل الديانة والعبادة والتقوى بالمقارنة مع الحال الذي كان عليه -بمقتضى السلطة- خلفاء وولاة وأمراء الدولة الأموية، والعباسية بعد ذلك.
في نظر فقيه ورجل دين من ذلك الزمان، ستكون بلا شك كفة رجال الحزب المحروم (من آل بيت النبوة كما كانوا يقولون) راجحة على حزب ذوي السلطان والقوة الرافلين في ثوب النعمة.
وعلى الرغم من أن موقف أولئك الأئمة الكبار، مؤسسي المذاهب السنية الثلاثة الأكبر من حيث عدد الأتباع، لم يقتصر على مشايعة ومناصرة العلويين بالقلب، بل تعدى ذلك أحياناً إلى دعمهم بالمال والكلمة كما أوثر عن أبي حنيفة، وما قيل عن تعرض الشافعي للسجن بشبهة دعمه للطالبيين، إلا أن هذا كله لم يكن كافياً بأي حال لاعتبارهم من أعلام وفقهاء “الشيعة”، بل لم يؤثر على كونهم رموز وأعمدة الفقه السنّي.
فالتشيع -كما نعرف- تبلور على مراحل طويلة واستقل بنفسه في اتجاه مختلف كلياً، أبعد من مجرد مناصرة علوي هنا أو هناك.
ثم إننا اليوم لا نفهم من كلمة “تشيع” ما كان يُفهَم منها في ذلك العصر.
وكان المتواتر لدى فقهاء وأعلام أهل السنة تفضيل علي بن أبي طالب على معاوية لاعتبارين رئيسيين:
الأسبقية الزمنية لـ علي في الالتحاق بالدين الجديد،
وقرابته النسَبيّة من النبي.
وهي قرائن كان يجري التوصل إليها في الغالب بالاستنتاج العقلي من الوقائع والروايات وليس بالاستناد إلى النص الصريح المؤكد الثابت كما يقول الشيعة.
لفت نظري قبل يومين مفكر وباحث عراقي (منشق عن الخط العام للتشيع) أن علي بن أبي طالب في جميع خطبه المنسوبة إليه في نهج البلاغة لم يحتجّ ولا مرة بحديث غدير خم ولا بأي نصّ آخر لإثبات أحقيته بالخلافة.
أما عند المفاضلة على معيار السياسة والدولة، فكفة معاوية هي الراجحة، بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور تاريخياً.
كان ابن تيمية أشجع أهل السنة في التعبير عن هذه الفكرة إذ قال: “وخلافة علي لم يُقاتَل فيها كفار، ولا فُتح مصر، وإنما كان السيف بين أهل القبلة”، (ابن تيمية، “منهاج السنّة”، ج1، ص546).
مع أن ابن تيمية كان يكرر التأكيد في أكثر من موضع على أن علياً وأصحابه كانوا أدنى إلى الحق من معاوية وأصحابه، (منهاج السنة، ج4، ص413).