كواليس ما قبل الولادة
عشر دقائق من ليل عبدالغني شعلان
هنا قرب أسمائنا في الحدود الأخيرة
لا شيء يثبت أنا هنا غير صوت الرصاص
وصرخات عبدالغني وهو يركض
ناحية السد،
كي يوقف الإنهيار
يقول: سنحيا.. ولو أمهلتنا الحياة
دقائق عشر.. ستكفي لتحبل
أرض الأساطير
بالجن والمعجزات
وإن كان لابد من موتنا
فليكن فادحا كي يليق بنا
لا أريد من الموت
غير اختيار النهاية
موتا يفيض من الجانبين
تمر الهزائم من حولنا كالحات،
ولكننا لا نبالي:
سيصنع عبدالغني أي شيء
وننجو
فعبدالغني هاهنا في الحدود الأخيرة
بارودنا العاطفي الكثير،
وصوت الغلابى،
ومشجب آمالنا الحر،
متراسنا الوطني الأخير،
سيأتي بمعجزة أو بأخرى
ولكنه لن يسلم،
نعرفه جيدا.
هو آخر أسطورة حرة
أنجبتها القصائد، والأغنيات
هنا تحت هذا الحصار
ولا شيء يحدث،
يفتح عبدالغني شرفة للتنفس،
في ليلنا، يتأمل أيامه في دخان
الخنادق،
ينظر في ساعة اليد:
ما أصعب الإنتظار
حوار قصير من الذاكرةْ.
– إلى أين تذهب؟ (يسأله ابنه)
> إلى غدكم يا بني،
– متى سوف ترجع؟
> قد لا أعود.
فلا تتركوا أرض أسمائكم،
يا بني: ترجل عن الأمس،
وانس أباك، وكن أي شيء،
ودافع عن اسمك،
دافع عن اليوم والغد،
والحلم والتجربةْ.
تمر الدقائق، عند الحدود الأخيرة،
مثل الخناجر،
نكذب حين نقول بأنا على ما يرام،
فلا تسألونا عن الحال،
نعرف كانت بلادا…
وماذا جرى؟
كل شيء،
ولكننا لا نعد الخسائر،
منذ سقوط النجوم عن الكتف العسكرية،
نذكر طعم الخيانة، نذكر كل الوجوه،
ونذكر أشياء أكثرْ
وماذا جرى؟
لا جديد،
سوى صوت عبد الغني
من وراء المدينة يقطع
هذا السيناريو المكرر:
(لا تتركوا أرض أسمائكم)
-لم نكن هكذا قبل عشرين عاما
ولكنه الوقت ينضجنا كالرغيف
بتنوره-
سوف نبقى هنا،
سوف نحرس أسمائنا جيدا،
سوف نرفعها عاليا،
لن نكون سوى ما نريد.
-لماذا تموت هنا يا أبي؟
> لكي لا تموتَ غدا يا بني.
وسال دم في السماء
فقال الجميع: لقد مات عبدالغني
يقول الذين رأوا موته:
لم يمت،
كان ينزف حرية لا دما،
كان يرفع جثته عاليا:
ادفنوني هنا
في السماء الفسيحة،
لا تذهبوا بي إلى المقبرةْ
يقولون: كان يحملق كالطفل،
عند الولادة، هل كان يولد لحظتها
أم يموت؟
[فلا يولد البطل الملحمي
كما يولد الناس،
يولد من نفسه كالقذيفة،
يولدُ من موته.. لا يموتُ]
يقولون أيضا: سمعنا انهيار ثلاثين قرية
في صوته حين مات
ترجل كالنسر
في ساعة الإنتصار
وأدى تحيته العسكرية
للعلم الوطني،
ولم يجدوا جثة حينها، بل قصيدةْ