منبر حر لكل اليمنيين

الأُمَراءُ العُراة

9

نَعَمْ يا فَجْرُ نحنُ نَرى مَدائنَ حَوْلَنا وقُرَى
ونُبْصرُ سائرَ الأشياءِ حين نُسَرّحُ البَصَرا

ولكِنَّ الطريقَ إليكَ لا نَلْقَى له أثَرا
كعادَتِها الدُّروبُ تضيعُ حين نُحاولُ السَّفَرا

فنَغْدو كالأسيرِ إلى سبيلِ هُروبِهِ حَفَرا
وحاولَ أنْ يَفِرَّ، وكادَ إلِّا أنَّهُ انْحَصَرا

وعادَ يَجُرُّهُ السَّجانُ والقَلْبُ الذَي انْكَسَرا
وما أقسى شُعُورَ الحُرِّ حين يعودُ مُنْكَسِرا

وأسْمَجَ ضَجّةَ السَّجانِ أنَّ غباءَهُ انْتَصَرا
فَشلْنا في الرَّحيلِ وفي بقاءٍ يَقْبَلُ القَدَرا

وصِرْنا لا نُقيمُ ولا نُغادرُ هذهِ الجُزُرا
وصارتْ غيرَ أَظْهُرِنا الحقائبُ لا يَجِدْنَ ثَرى

غريبةٌ السَّماءُ تريدُ نَهْوى الشَّمْسَ والقَمَرا
ونحنُ مُعَذَّبونَ كأنَّ في أكبادِنا سَقَرا

تُرى ماذا نَقولُ ونحنُ رَسْمٌ للعَذابِ تُرى؟
هُنا والخِضْرُ يَعْبرُ لا يُكَلّفُ نَفْسَهُ النَّظَرا

أنِينٌ في الجِدارِ لِكُلِّ مَذْبوحٍ به عَبَرا
يَمُرُّ على معارضِنا الزّمانُ ويَجْهَلُ الصُّوَرا

فلا يُصْغي المَساءُ لما نَقولُ، ولا الصَّباحُ يَرى
فكيف نُحِبُّ شَمْسَكِ يا سَماءُ، ونَعْشقُ القَمَرا؟

ظَمِئنا وانْتَهى ما كانَ في الأعماقِ مُدَّخَرا
وأصْبَحنا كبِئرٍ جَفَّ منها الماءُ وانْحَسَرا

مُرورُ الظَّامِئينَ يزيدُ عُمْقَ جَفافِنا حَجَرا
يَرى لوُقوعِها في القَعْرِ مَن ألْقى بها شَرَرا

عميقٌ بُؤسُنا ويزيدُ عُمْقًا كُلّما ذُكِرا
وإنْ سَبَرَ السُّكوتُ مَداهُ، ناءَ وطولُهُ قَصَرا

ولكِنّ الثَّراءَ يَظُنُّ فَلْسَفةَ الجَفافِ ثَرا
عجيبٌ أمْرُنا يا حُزْنُ، إنّا مَعْشَرُ الشُّعَرا

يَرانا الأغْنياءُ كما تَراهُمْ أعْيُنُ الفُقَرا
ونحنُ وراءَ أَحْرُفِنا، عُراةٌ يَلْبسونَ عَرا

نُداري قَحْطَ تُرْبَتِنا، ونَسْتَسقي الظَّما مَطَرا
ونَخْبزُ قَمْحَ أعيُنِنا، ونُقْري اللَّيلَ والسَّهَرا

ونَشْعُرُ بالجَميعِ ونحنُ ما أحدٌ بنا شَعَرا
مُصيبَتُنا القَصيدةُ حينَ تُولدُ والمُحيطُ هُرا

وحين تَعيشُ هذا العُريَ في أسْمائها الأُمَرا
وحينَ تَموتُ وهْيَ تريدُ خُبْزًا، والحُقولُ تَرى

عذابٌ ليسَ أثْقَلُ منهُ إلّا صَبْرُ مَن صَبَرا
وِلادَةُ شاعرٍ كالصُّبْحِ، حيثُ الضّوءُ ليسَ يُرى

وحيثُ الشّعْرُ كالمَجهولِ يَمْطِرُهُ المَلا نَظَرا
يُكابدُ غَربةً جَرْداءَ، إنْ وَلّى، وإنْ حَضَرا

وتَخْبو رَغبةُ الطّيرانِ في الأُفْقِ الذي أُسِرا
كنَبْضِ قصيدةٍ في قَلْبِ رَيحٍ لَمْ تَجِدْ شَجَرا

ثَقَيلٌ يا كبيرُ عليكَ أنْ تَحْكيْ لغَيرِ ذُرَى
وجُرْحٌ إنْ أتْيتَ ولَم تَجِدْ في البابِ مُنْتَظِرا

وصَعْبٌ كالجُلوسٍ على شُعورٍ يُنْبتُ الإبَرا
وُقوفُكَ مُلْقِيًا أُفُقًا على حُفَنٍ مِن الحُقَرا

هشام باشا2023/2/25

تعليقات