عن الشخصية الجدلية “معاوية بن أبي سفيان”
لأسباب مفهومة.. أثار قيام شركة “تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) المملوكة لمستثمر سعودي، بتمويل مسلسل درامي عن “معاوية بن أبي سفيان”، لعرضه في ليالي رمضان المقبل، كثيراً من اللغط والرفض والجدل في المنطقة.
لا علاقة لهذا الجدل بالمضمون والرسالة والجوانب الفنية للعمل.. لأنه تم بشكل استباقي وبمجرد الإعلان عن الشخصية المركزية للمسلسل “معاوية بن أبي سفيان” الشخصية ذات الرمزية السلبية العالية في التراث الشيعي.
لكن، كان من المتوقع مسبقاً أن أي عمل درامي خاص بـ”معاوية”، مهما كانت درجة موضوعيته، سيمثل -من وجهة نظر الإسلام السياسي الشيعي الراهن- استدعاء سلاح رمزي جديد ضدهم، من قبل خصومهم أهل السنة، في خضم الصراع السياسي الطائفي المندلع في المنطقة، تبعاً لصراع المحاور الإقليمية.!
“قد” يكون هذا صحيحاً. لطالما كان التاريخ، برموزه الدينية والسياسية، سلاحاً سياسياً نوعياً في الصراعات الفئوية والطائفية، وبالذات في العالم العربي والإسلامي الذي ما زال مسكوناً بالماضي، بنزعاته ونزاعاته وعقائده وصراعاته ورموزه.. الغابرة.
لكن فيما يتعلق بشخصية “معاوية”، المسألة معقدة نسبياً. فبغض النظر عن فحوى ورسالة المسلسل.. معاوية في الوعي السني العام ليس رمزاً طائفياً مقابلاً للرموز الشيعية: علي بن أبي طالب، أو الحسن والحسين، ليوضع في مقابل هذه الشخصيات في عمل درامي ضد الشيعة.
بل إن هذه الرموز الشيعية الكبرى، هي في الأدبيات القديمة والحديثة لأهل السنة، أهم من معاوية الذي -رغم عظمته التاريخية- لم يحظَ في الوعي والتراث السني طوال التاريخ بأهمية دينية أو سياسية من نوع خاص.
وعلى العكس لمعاوية في بعض تراث أهل السنة. كبعض الأحاديث المنسوبة للنبي، صورة سلبية، باعتباره أول من بدل نظام الخلافة الإسلامي، وحوله إلى نظام وراثي. وفي نفس الوقت، يتعاطف أهل السنة مع الحسن والحسين. رغم كونهما كانا يطالبان بنظام وراثي كهنوتي مطلق.!
في المحصلة نحن أمام شخصية سلبية في التراث الشيعي، وعلى الأقل غير إيجابية في التراث السني. لكن للتاريخ رأي مختلف، حول هذا الرجل، الذي يمثل: أحد أبرز وأعظم عباقرة التاريخ العربي الإسلامي، على الإطلاق. بل هو مؤسس الامبراطورية العربية الإسلامية.
وبالتالي تستحق هذه الشخصية العبقرية أن تدرس من جديد، ويدشن عنها وحولها عدد كبير من المسلسلات والأفلام والكتب.. ومن المؤسف أن ذلك لم يحدث حتى الآن إلا في حدود ضيقة.!
وبطبيعة الحال لا يفترض بهذه الأعمال أن تكون موجهة للشيعة، إذ لا حاجة للرد على رأي وموقف الشيعة من معاوية، فهم يكرهون جل ملوك وحكام العالم العربي والإسلامي من بعد وفاة النبي حتى اليوم. بداية بالخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان، مروراً بكل ملوك وخلفاء الدولة الأموية، ثم ملوك الدولة العباسية، وصولاً إلى حكام وأنظمة المنطقة في هذا العصر.!
رأي وموقف أهل السنة من معاوية. باعتباره أول من بدل النظام الإسلامي. نظام “الخلافة”، هو الذي يستحق الرد.. والسؤال المهم هنا ودائماً، هو: هل كان هناك بالفعل، قبل معاوية، نظام سياسي محدد، يمثل الإسلام بالضرورة، ويمكن وصفه بـ”النظام الإسلامي”.؟!
يتبع..
*نقلا عن موقع نيوزيمن.