فهم قاصر لمشروع الحوثي العنيف.. فجوات مفاوضات توسيع هدنة اليمن
تجري حاليا مشاورات مكثفة برعاية الأمم المتحدة وممثلها السويدي هانس غروندبرغ والمبعوث الأمريكي ليندركينج، للوصول إلى اتفاق ملزم يحد من المواجهات بين أطراف النزاع في اليمن، ويتيح الفرصة للوفاء ببعض الاستحقاقات على اعتبار أن الصراع في جزئيته الأهم سياسي على النفوذ والسلطة.
غير أن واقع الأمر مرير ويقول غير ذلك، فالصراع الذي بدأ سياسيا في شكله الأول ربما، بات اليوم وجوديًا، وتحول كذلك بعد أن توغلت إيران بكل قدراتها وامكاناتها، وطوعت المستحيل من أجل فرض قواعد لعبة؛ أودت بحياة الآلاف من اليمنيين، ولا تزال تصدر كل شيء من أجل استمرار هذا الواقع.
إذًا أمام الجماعة مهمة غير معقدة فيما يخص المفاوضات، فهي تدفع باتجاه إقامة مشروع متكامل يخصها سواء على الأرض أو من خلال المشاورات والوساطات التي تجريها الأمم المتحدة وسلطنة عمان مع طرفي الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
اليوم وبعد الضغط باتجاه عملية السلام أو التسوية التي لا أحد يدرك شكلها تماما يمكن طرح الكثير من التساؤلات. وضع المعتقلين السياسيين، الاسرى والناشطين على الأقل على المدى المنظور؟ المهجرين قسرا والنازحين وتطبيع الحياة كما كانت أو كما يجب؟ وممارسات الديمقراطية.
ما المؤمل من هذه الجماعة تجاه كل هذه المشكلات؟ وهي تمارس نزقا سياسيا ودينيا وعقائديا تجاه كل مظاهر الحياة، وتصدر التعميمات الرسمية والتعليمات المبطنة، منها “مدونة السلوك الوظيفي” وما يخص ملابس النساء ومظهر الشباب، ناهيك عن احتمال منع تعليم الفتيات بشكل كلي إلا في إطار ستحدده هي لاحقا في حال تمكنت تماما من كل مفاصل الحياة الاجتماعية وجَيرت ما تبق من مؤسسات لصالح أهدافها.
يحاول المجتمع الدولي إيجاد حلول “ترقيعية”، وهو يدرك سلفا السلوك العدائي لهذه الجماعة تجاه المجتمع وعلاقته ببعض وبالآخر، فزراعتها لمئات الآلاف من الألغام والعبوات، وقتل المدنيين قنصا دون التفريق؛ هي بمثابة حجج قوية تعكس مدى جدية هذه الجماعة، في عدم الوصول إلى عملية سلام دائمة.
هذا غير تكريسها لمناهج متطرفة من واقع ملازم محدودة الفكر ركيكة وسطحية، تعد في نظر الجماعة مرجعا سياسيا ودينيا وفكريا وعلميا مثلها مثل مناهج التعليم والكتاب المقدس، أو تأتي بعده في نظر البعض وقبله في نظر آخرين.
ثمة حجج كثيرة وممارسات تشير إلى فشل أي مشروع من شأنه إيجاد أرضية لاتفاق بين اليمنيين، تعكسه المعطيات على الأرض، وتصلب الرؤى من قبل ذراع إيران؛ بمعنى أن أي مفاوضات في الوقت الحالي هي من أجل مشروع الحوثي لا من أجل البلد والمواطن؛ باستثناء مسألة الرواتب التي ليست سوى رافعة لأهداف أخرى يعرفها الجميع.
ما لم تحرر الأماكن الحيوية والمحافظات المتاخمة وتتوحد، تحت سيطرة الشرعية وتسخر الإيرادات في إطارا مركزية واحدة فإن الأمر يسير باتجاه مزيد من الفوضى واحتمالات الموت الجماعي للناس نتيجة لهذا السلم الكاذب والحرب المجزأة.
وباستثناء ما يجري في الساحل الغربي ومدينة المخا وباب المندب فإن الشرعية لا تزال تسير على كرسي متحرك، غير قادرة على تجاوز الصراعات البينية، وإعطاء مساحة للبدء بالمشاريع المستدامة، وضبط إيقاع الحياة والمؤسسات تحت سلطة واحدة.
لذا يجمع كثير من المراقبين والمتابعين للشأن اليمني بأن الصراع بين المواطن وجماعة الحوثي أصبح صراع وجود وليس صراعا سياسيا على السلطة، إذ أن مسألة الحكم قائمة على الشورى والانتخابات وإتاحة الخيارات أمام الناس لاختيار من يمثلهم ويقنن شكل الحياة التي لا تكون على حساب الثوابت مثل الحرية في التعبير والحركة والعبادات.
وعلى هذا الأساس فإن شكل أي تسوية يظل غامضًا ما لم ينجز شيء على الأرض وتنفذ بعض القرارات السابقة فيما يخص السلاح الذي تم السيطرة عليه عقب الانقلاب وإيقاف العبث بمؤسسات الدولة.