منبر حر لكل اليمنيين

المذحجي رئيس لمركز صنعاء للدراسات والمسلمي يقدم استقالته مع المبررات

29

أعلنت الهيئة الادارية لمركز صنعاء للدراسات الذي كان يرأسه الناشط والسياسي الصحفي فارع المسلمي منذ العام 2014م بداية تأسيسه، عن تغيرات في إدارتها وانتقلت رئاسة المركز إلى الباحث والصحفي ماجد المذحجي ومجموعة من الصحفيين والناشطين.

وقد كتب المسلمي تبرارات الاستقالة والتي ربطها بالتداول على رئاسة المركز خلافا لما يقوم به الرؤساء العرب من تمسكهم بالسلطة لفترات طويلة تاتي على حساب كثير من الطموحات والامال حسب قوله.

نص الرسالة الطويلة التي نشرها المسلمي.

قُرّاؤنا الأعزاء،

شكرًا لكُم.

كقُراء لموادنا وإصداراتنا، ساهم تفاعلكم – بطُرق متنوعة ومُتبحّرة – إلى جانب دعمكم وتعاونكم والأهم من ذلك ثقتكم، مركز صنعاء على بلوغ المكانة التي وصل إليها اليوم. بعد رحلة امتدت لثمانِ سنوات، أكتب إليكم اليوم لأخبركم أن وقتي في قمرة قيادة المركز قد بلغ نهايته. لقد استقلت من منصبي كرئيس للمركز بداية هذا العام الجديد، مُسلّمًا الدفة لزملاء وزميلات مخضرمين ومتميزين، مؤمنًا تمامًا أن المركز سيستمر في الازدهار تحت قيادتهم.

لقد أعدنا تشكيل الهيئة التنفيذية حيث سيتولى ماجد المذحجي منصب رئيس المركز، بينما ستتولى ياسمين الإرياني منصب المدير التنفيذي للإنتاج المعرفي وأسامة الروحاني موقع المدير التنفيذي لشؤون السياسات والشراكات. كما ستتولى نهى السعيدي منصب مدير العمليات والشؤون المالية والإدارية للمركز، بينما سيقود وليد الحريري منتدى اليمن الدولي كمدير له.

حين تعود بي الذاكرة إلى العام 2014، يبدو من الصعب تصديق أن مركز صنعاء بُني على أكتافِ مجموعة صغيرة متطوعة من أشخاص تشاطروا فكرة جريئة. منذ اليوم الأول، تمثّل حُلمنا في تأسيس منظمة بقيادة محلية تعمل كمِنبر يتبنى أصوات اليمنيين وتساهم في محاسبة قادتهم المحليين، وتؤثر على الأجندة الدولية التي تؤطر القرارات المتخذة بشأن بلدنا. اليوم أستطيع أن أقول إننا حققنا ذلك، بل وأكثر بكثير. أصبح مركز صنعاء المؤسسة البحثية الرائدة بخصوص اليمن. وبفضل جهود وتفاني كل شخص في فريقه، توسّعت وانتشرت شبكته ورسالته لتتخطى حدود اليمن وصولًا إلى الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وأوروبا وأمريكا الشمالية وما هو أبعد.

قارع عمل مركز صنعاء على مدى أعوام وبلا هوادة سردية الثنائية الحادة، كما اشتبك بالتوازي مع الأطر التي تحكُم المعادلات الدولية الإقصائية، سواء تلك الُمتبناة من قِبل العواصم الغربية أو الإقليمية. نجح المركز في ذلك عبر استقطاب مجموعة من اليمنيين واليمنيات من أصحاب الفكر الجريء والخلّاق وتخصيص مساحة لهم للتفكير والتحدث بحرية، والدفاع عن الحقيقة والشفافية والمساءلة بطُرق لم يجرؤ آخرون كثيرون على تبنّيها. اليوم أصبح المركز رائدًا في هذا المجال ونموذجًا يستلهم به أولئك الذين يناضلون ضد نبض الديكتاتوريات ويقارعون من يستخدمون العنف لكي يكسبوا، وأولئك الذين يعملون على تقويض الشعبويات الكاذبة. مهما كانت الظروف، المستقبل في صفنا. نحن من نعي الحقائق والمعاناة التي تمر بها مجتمعاتنا – ومن هذا المنطلق أيضاً نحن من يجب أن نقود النقاشات في حال أردنا تحقيق سلام مستدام لأوطاننا.

لعقود مضت، لم يتوانَ القادة في منطقتنا عن التمسك بالسلطة والبقاء في الكراسي، وهي ظاهرة شوهت وأدمت تاريخنا السياسي دون استثناء كشعوب نتشارك نفس المصير. كيمنيين، عشنا عواقب ذلك السلوك بكافة تأثيراته واكتَوينا بالنار والدمار الذي يجلبه. كما نَعي تمامًا كيف يُمكن لطمع السلطة أن يعمي صناع القرار ويعرقل أي تقدم يمكن أن تحرزه بلادنا. وكشباب وأفراد عشنا أوجهًا متعددة من الحرمان، لطالما شعرنا دائمًا بمسؤولية مضاعفة على عاتقنا لرسم مسار جديد في نقل سرديتنا للعالم، وأن نكون قدوة يُحتذى بها بشكل عام وأن نظل أوفياء للإرث الذي سنتركه وراءنا. نحن – مجددًا، أكثر من غيرنا – نعلم أن تسليم دفة القيادة، على مستوى الدول وعلى مستوى المؤسسات، يفسح المجال أمام التجدّد واستيعاب أفكار جديدة، وأن هذا التجدّد حتمي للتعامل مع تحديات وفرص الغد وتجنّب أن تبقى المؤسسة التي بنيناها مُتقوقعة في نمط تفكير قديم أو أن يخفت بريقها، كما حدث مع عدد من المؤسسات والمبادرات والأفكار المشابهة.

بمعنى آخر، من المهم رسم مسار مبتكر فيما يتعلق باليمن حيث تتغلب الجدارة والأفكار الخلاقة على المحسوبية وشبكات العلاقات الخاصة. وقد أخذنا على عاتقنا هذه المسؤولية بجدية عالية، بإدراك تام أننا كمنظمة محلية وكَقادة شباب دائمًا تحت المجهر، بغض النظر عن عدد المرات التي تحدّينا فيها الصعاب أو رفعنا فيها السقف بشكل عام.

واضعين كل هذا نُصب أعيننا، عملنا بجدّ على مدى أعوام لتأسيس بُنية قوية وبلورة سياسات وآليات داخلية سليمة تُعزز التزامنا بمبادئ الحوكمة، بما يُشجع النمو العضوي والمُتسق داخل مركز صنعاء. الأهم من ذلك أننا اعتنقنا مبدأ الشمول وإشراك الجميع، إدراكًا منا بأن اختلافاتنا وتنوّعنا هما مصدر قوتنا واستدامتنا. هذه المبادئ والقِيم هي العمود الفقري الذي عزّز النمو المطرد للمركز على مدى الأعوام الثمانية الماضية.

شخصيًا، كانت رحلة ترؤسي لمركز صنعاء بمثابة عتبة تطور مستمر في حياتي الشخصية والمهنية. لا توجد فرصة أكثر رضى لخريج جامعي جديد من المساهمة في تأسيس منبر يستوعب ويوجّه إمكانياته ونموه هو ورفاقه من أجل إحداث فارق جماعي. وقد كان حظي مضاعفًا بالعمل مع أشخاص أكثر ذكاءً وحكمةً مني، ولكنهم بالرغم من ذلك وضعوا ثقتهم فيّ كقبطان للسفينة. لقد علمتني السنوات في مركز صنعاء أيضًا، من ضمن ما علمتني، أن أكرم وأثمن وأهم شيء يمكن أن يحصل عليه إنسان من إنسان آخر هو بعض من وقته ونصيحته الصادقة وتوجيهه، وكلها أمور حظيت بها بكرم ومحبة من قِبل أشخاص تبنّوا هدف المركز كجزء من أهدافهم.

سأظل دومًا مدينًا للأفراد المتميزين والاستثنائيين الذين يُشكلون فريق مركز صنعاء، وكُلّي امتنان لثقتهم وصبرهم على مَرّ ومُرّ الأعوام الماضية، وعلى صمودهم بثبات خاصة في الأوقات الحالكة والكثيرة التي بدا فيها وكأن السماء تكاد تنهار فوق رؤوسنا. كما أتوجّه بشكر خاص إلى أعضاء هيئتنا الاستشارية – الرسميين وغير الرسميين – على إيمانهم بإمكانات المركز منذ بذرته الأولى وعلى لعبهم دور البوصلة التي وجهتنا ووسعت مداركنا دائمًا.

سيظل مركز صنعاء يحمل مكانة خاصة في قلبي ووجداني، وبالطبع سأظل دومًا موجودًا لتقديم أي مشورة عن بُعد. وبينما أغادره بمشاعر فياضة مع انطلاقي في رحلة جديدة أظل فيها منخرطًا في قضايا اليمن والمنطقة ككُل، فإنني أغادره – أيضًا – بثقة راسخة بأنه سيواصل ريادته في صياغة المسودة الأولى من التاريخ، ومساءلة الأقوياء، وتوفير منبر لليمنيين لتحديد مستقبلهم بأنفسهم.إلى لقاء قريب.
فارع المسلمي
مؤسس مشارك ورئيس مركز صنعاء سابقًا.

تعليقات