وأسأل نفسي!
“إن الحياة كلمة وموقف، الجبناء لا يكتبون التاريخ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق وأحب الفقراء”.تشي جيفارا.
ولا زلت أسأل نفسي كل صباح: ترى كيف يعيش عبدالله صعتر وكيف يقضي أيامه؟ وفي أي ڤيلا فاخرة يسكن وأي سيارة باهظة الثمن يركب وبأي جامعة عالمية يدرس أبناءه وأحفاده؟ وفي أي بنك عالمي يضع أمواله؟
كلما تذكرته جافاني النوم.. الرجل الذي قال للناس ذات يوم إن أحوالهم ستتبدل إلى الأفضل بمجرد سقوط النظام والدولة..! ترى كيف يعيش اليوم؟ وأي بُن قهوة فاخر يحتسي كل صباح؟ وهل يرتدي معطفاً يقيه برد الشتاء وثلوجه المتساقطة؟
لازلت أسأل نفسي ذات السؤال كل صباح وأنا أمضي في شوارع الشيخ عثمان وأتأمل الواقفين على الرصيف في انتظار حسنة قد يجود بها أحدهم أو فرصة عمل قد لا تأتي أبداً..
ترى هل الرجل بخير؟؟
ماذا لو عاد إلى ذات المكان الذي أطلق وعوده فيه؟ ماذا لو سار في شوارعنا؟ ماذا لو تأمل الوجوه التي شاخت في عز ربيعها؟ ماذا لو ..؟
لا زلت أسأل نفسي أيضا عن” حميد الأحمر” الرجل الذي قال ذات يوم إن من يستند إلى قبيلة كـ”حاشد” لن يخاف أبداً.
الكذبة التي لم تحتمل عناء الوقوف ليومين وخلافها الحقيقة الساطعة التي كانت حاضرة أن ثمة دولة كبيرة كان يسند إليها حميد ظهره ويستظل الناس بظلها ويهشون بها على أبنائهم..
الدولة التي ركلها وركلنا ومضى إلى حال سبيله..
ولا زلت أسأل نفسي كيف يعيش “حميد الأحمر” أيامه متنقلا بين كافيه وأخرى ومطار وآخر، وغرفة فندق وأخرى؟.. هذا المشروب الساخن في يده.. لاتية.. كابتشينو.. اسبريسو.. هذه التذكرة درجة أولى أم سياحية؟
وهذا الطابور لانتزاع البوردينج طويل أم قصير؟
الرجل الذي كان موكبه يمتد من المطار حتى “الحصبة”.. الموكب الذي لو اطلعت على أفراده “لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”..
الرجل الذي ركل عزته بقدمه، وأهال التراب بيده على مجد ما كان له أن ينقضي سريعاً.. قلل السكر لو سمحت.. فاضي شويه.. نشرب قهوة في حتة بعيدة
اعزمني على نكتة جديدة وخلّي حساب الضحكة عليّا. حدثني عن الوطن.. نعم الوطن… دعني أحدثك عن بعض الناس والتي صدق فيها قول الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.
ولا زلت أسأل نفسي عن الرجل الذي حدث الناس لأربعين عاماً عن الجهاد والتضحية والاستبسال ورفض الظلم وحور العين، وحينما حلت لحظته هرب وأبناؤه وأحفاده وأقاربه ولم يبقَ من الحديث إلا كلمات كهلة ووعود تنتظر الوفاء وأفق بعيد بلا شروق ولا أمل..
ولا زلت أسأل نفسي كيف صدق الناس “عبدالمجيد الزنداني” لأربعين عاماً كاملة؟! الرجل الذي طاف البراري والفلوات وما ترك أرضاً إلا ونادى فيها: “حيّا على الفلاح”..!
ولازلت أسأل نفسي ما الذي يقوله الرجل لنفسه وهو يرى كل مساء تحلق أبناؤه وأحفاده حوله وليس بينهم جريح واحد؟ مصاب واحد؟ مفقود واحد؟
طريداً..!
شريداً…
بيتاً منهدم، راتباً منقطع ..
كيف ينام هؤلاء؟!
إن الضمير الذي تحاول الاتصال به مفصولاً في الوقت الحالي..
يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى ** كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ ** وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً ** وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى
وَبِسَاطاً مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ ** هم تَوَارَوا أَبَداً وَهُوَ انْطَوَى
ولازلت أسأل نفسي كيف صدق الناس ذات يوم معاول الهدم هذه، ذات الوجوه التي تتحدث نيابة عنّا حتى اليوم.. كيف بادل الناس ثرياهم بثرى الغير الملطخ ذلاً ومهانة؟
الناس التي باعت ظلها بضلال غيرها ؟؟
الناس التي قايضت شمسها وقمرها وأنجمها بليلٍ حالك السواد و بهيم.. ليست المشكلة في هؤلاء فقط.. ثمة من يكذب على الناس اليوم أيضا ..
لذا، فذكر الناس، فالذكرى تنفع قوماً مؤمنين.
من دمّر الماضي لن يصنع الحاضر ولن يستشرف المستقبل.. ومن يكذب اليوم لن يصدق غداً.
ومن أطفأ الضوء لن يوقد إلا ناراً.. وأقم الصلاة.
5 فبراير 2023