منبر حر لكل اليمنيين

في كتاب “مبدعون من اليمن”.. أنور العنسي يكشف لنا عن عوالم أصدقائه المليء بالإنسانية

30

في كتابه مبدعون من اليمن يؤكد لنا أنور العنسي مقولة (اكتافيو باث) أن الصداقة لا تولد من النظرة الأولى كالحب بل من شعور أكثر تعقيدا، وإذا كان قد كشف لنا عن عوالم أصدقائه المليئة بالإنسانية فإننا من خلالهم أيضا ادركنا حجم امتلائه هو بما هو إنساني وسعة عالمه الجميل للعديد من الأصدقاء الذين وسعهم وجدانه الخصب وحساسيته اللغوية العذبة.

كل من كتبوا عن الصداقة كان يوجد لديهم قدرا من الارتياب في الأصدقاء، عدا أنور الذي اندفع اليها اندفاعا بل ويحثنا عليها مؤكدا أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش دون أصدقاء، وهو يدعونا إلى التميز بين الصداقة القائمة على المنفعة أو اللذة والصداقة الفاضلة التي يحب فيها الصديق بما هو كذلك، فالصداقة لديه مشاركة، فكما يكون المرء لنفسه يكون لصديقه مشاركا في الأفعال والأفكار.

نحن أمام انسان متعدد، فهو إعلامي، قاص وشاعر،  ينقلنا إلى عوالم إنسانية من خلال تسليطه الضوء على أصدقائه الذين يسرد قصصهم بلغة شعرية.

هذا الكتاب عابر للحدود المرسومة بين الأنواع الأدبية؛ فهو نص إبداعي وليس نصا سياسيًا ولا إعلاميا ولا كتابًا نقديًا، استوعب كل الفنون دون أن يلغي أحدهما هوية الآخر.

نحن هنا أمام العنسي الإعلامي، الشاعر، السياسي، القاص، الرسام، المصور، جمع كل هذه الفنون من أصدقائه المبثوثين بين دفة هذا الكتيب  ورسمها على الورق بصورة تتوهج بحب الاقتراب وصفو الرضا والجمال ولم نشعر بمساحات اللقاء مهما صغرت، فهو يرسم لنا عالما مكتملًا بالمحبة.

لقد ادهشني مخزون الذاكرة عند العنسي وادهشني أكثر هذا المزج بين الحضور والغياب والقدرة على استيعاب بل واسترجاع تلك اللحظات المملوءة بالإنسانية، في زمن أصبحت الصداقات فيه تتسم بحضور المنفعة وتنقطع بانقطاعها.

بدأ العنسي من المقالح رائدًا وحداثيًا، وقد أحسن البدء به كونه يمثل العباءة الروحية التي آوت اليها جموع الشعراء والروائيين والإعلاميين والسياسيين، المقالح ذلك الإنسان الذي أبدع الحرف وصنع التاريخ واكسب الحياة معناها الحقيقي وتلاه البردوني والتسلسل هنا لا يعني المفاضلة بقدر ما يعني نوعية المدرسة، فالرائي الكبير في ذاكرة العنسي تحول شعره بديلًا للوطن الضائغ والمفقود الذي كان البردوني يوقد نيرانه.

في هذا الكتاب نقع على ما هو ذاتي وما هو عام تارة يقف بنا مباشرة أمام الفكرة وتارة أخرى بطريقة غير مباشرة، نستشف ما يريد قوله من بين السطور وعبر آليات الرموز والمسكوت عنه والمعنى البعيد.

وكما قلت أن العنسي لا يقدم قراءة نقدية لهؤلاء المبعدين، بل يقدم لنا وجهة نظر في الصداقة والصديق باعتبار الصداقة قيمة سامية ومقدسة وازعم أن للكتاب بقية أصدقاء كان لهم حضور إنساني لديه، فكل من كتبوا عن الصداقة كان يوجد لديهم قدرا من الارتياب في الأصدقاء، عدا العنسي الذي قدم لنا ملحمة تدور حول الأصدقاء ولعله تأثر بملحمة جلجامش التي أثرت الصداقة على العداء.

تعليقات