وداعاً للطبقة الوسطى في اليمن
مهاد..
الطبقة الوسطى في المجتمع اليمني.. تتآكل بفعل فشل سياسات الحكومات المتعاقبة.
المبتدأ..
الطبقة المتوسطة في اليمن كانت عماد الاقتصاد والركيزة الأساسية فيه، فهي مصدر استقراره والقوة المحركة لتقدمه.
هناك الكثير من العوامل ذات الطابع الاقتصادي والسياسي، أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى في البلاد لصالح اتساع الطبقات الفقيرة والمعدمة.
الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة التي زادات منذ العام 2011، تسببت في الارتفاع المتصاعد لأسعار الغذاء ونفقات الإعاشة وارتفاع تكلفة الخدمات والوقود ومياه الشرب والصرف الصحي، وارتفاع أسعار الغاز المنزلي مقابل ثبات المعدل العام للمرتبات والأجور.
كما أسهم تآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية في تدهور معدل الدخل مما أدى إلى عدم تماسك الطبقة الوسطى لصالح الطبقات الاقتصادية الأخرى.
وحسب دراسات لبعض المراكز لدراسات الدخل عن الطبقة الوسطى في اليمن خلال الفترة 2011 -2019م، فإن تراجع الطبقة الوسطى في اليمن مؤخرا يعود لسببين:
الأول ارتفاع أسعار السلع والخدمات منذ العام 2011م وتدني قيمة أجور العمل وفقدانه في العام 2015م جراء الوضع السياسي والحروب.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن الحكومات اليمنية المتعاقبة فشلت في تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي التي طبقت منذ منتصف التسعينيات وفي وقف تدهور حجم الطبقة المتوسطة من منظور الدخل، وأن الاختلالات الاقتصادية الهيكلية المزمنة التي سادت قبل تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي 1996م أضعفت الطبقة الوسطى في اليمن.
كما أكدت أن الأحداث التي مر بها اليمن منذ العام 2011م نتيجة للصراعات السياسية، وتفاقم المشكلات المعيقة للاقتصاد كالإرهاب والتفجيرات التي طالت أنابيب النفط والغاز وشبكات الكهرباء والاغتيالات السياسية أدت إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في البلاد وهروب الشركات الأجنبية ورؤوس الأموال للخارج.. مثلت ضربة قاصمة لهذه الطبقة.
وأكدت أن حجم الطبقة المتوسطة في اليمن حسب نتائج مسح ميزانية الأسرة 2006م، كان يمثل حوالي 48.34% من إجمالي عدد الأسر في الجمهورية منها 28,8% في الحضر وحوالي 71.2% في الريف لكنه تدنى بنسبة كبيرة منذ العام 2011م ووصل إلى مستويات مخيفة بحلول العام 2018م.
الخبر..
زاد الانقلاب الحوثي الأمر سوءا وكانت الكارثة في الوضع الإنساني بحسب الأرقام، حيث تصاعد الفقر والبطالة ومؤشرات أخرى لا تقل كارثية عنهما.
فاليمن تعد واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ووفق تقرير حديث فإن 46% من السكان يعانون من انعدام أمن غذائي حاد، وهو ما يعد أعلى درجات الخطر في حال استمرار الأوضاع دون تحسن، واستمرار تدهور سعر صرف العملة الوطنية في ظل تدني مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني.
وكانت مؤشرات انعدام الأمن الغذائي الحاد وصلت نهاية العام 2011م إلى ما دون 45% بعد تصاعدها عام 2009، إلى 51%.
الوضع الإنساني الذي بدأ بالتدهور منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وازداد حدة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، كان له أكثر من سبب وفي مقدمها فشل السياسات الاقتصادية وتفشي الفساد وسوء الإدارة وغياب العدالة الاجتماعية وتفاوت التنمية بين الريف والحضر، وتراجع الاعتماد على الإنتاج الزراعي.
وقد بلغ إجمالي اليمنيين الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي قبل الانقلاب في سبتمبر 2014م 41.1% من السكان، أي 10.6 مليون شخص.
كما أن 15.9 مليون شخص يمثلون 61% من إجمالي سكان اليمن يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.
ووفق التقارير الدولية الصادرة خلال العام ذاته، فإن المعدلات الوطنية لسوء التغذية الحاد، بلغت نحو 12.7% في عام 2014م مقارنة بـ13% في العام 2013م.
كما انخفضت المعدلات الوطنية للتقزّم من 46.6% عام 2013 إلى 41.3% في العام السابق 2014م.
كما تشير الأرقام إلى أن ما يقارب 60% من أطفال اليمن دون سن 5 سنوات يعانون من “سوء التغذية المزمن”.
وتتحدث الأرقام أيضاً عن تفاقم البطالة إلى أعلى المستويات، حيث ارتفعت معدلات البطالة منذ 2011 من 25% إلى 36% و44% في العامين 2012م و2013م، وارتفعت إلى 60% خلال الربع الثالث من العام 2014م.
ووفق التقارير وصلت إلى 70% في 2020م، منها تقارير منظمة العمل الدولية التي أكدت أن ثلثي القوة العاملة في اليمن تفتقد لفرص عمل، وثلثي السكان لا يحصلون على المياه النقية والصرف الصحي، وتغطية الكهرباء لا تغطي سوى أقل من ثلث السكان، وأزمة المياه باتت تهدد مصير البقاء بعد أن انزلقت اليمن إلى الدول الأشد فقرًا فيما يخص المياه.
الجملة..
المنظمة العالمية للأطفال تؤكد في تقرير لها أن 15.9 مليون نسمة كانوا بحاجة للمساعدة الإنسانية قبل مارس 2015م، وارتفع العدد إلى 21.2 مليون بنسبة 33% بما في ذلك 9.9 ملايين طفل.
وبلغ عدد الأشخاص النازحين من منازلهم قبل مارس 2015م 584 ألف نسمة وزاد العدد إلى مليونين و400 ألف نسمة بنسبة 310% بينهم 800 ألف طفل، فيما ارتفع عدد من كانوا لا يجدون ما يكفيهم من الغذاء من 10.6 ملايين إلى 14.4 مليون بما في ذلك 7.7 ملايين طفل بعد مارس 2015م.
وذكر التقرير أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بعد مارس 2015م وصل إلى 1.3 مليون منهم 320 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد مقابل 850 ألف طفل يعانون من سوء التغذية قبل مارس 2015م.
وبحسب التقرير فقد بلغ عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية 14.1 مليون بينهم 8.3 ملايين طفل مقابل 8.4 ملايين قبل مارس 2015م بنسبة زيادة وصلت إلى 67% نتيجة إغلاق حوالي 600 مستشفى ومرفق صحي بسبب القصف أو نقص المواد العلاجية والوقود.
وبيّن التقرير أن 19.3 مليون بينهم 10 ملايين طفل يعانون من عدم توفر المياه النظيفة أو الصرف الصحي مقابل 13.4 مليون قبل مارس 2015م، مشيراً إلى أن 3.4 ملايين طفل انقطعوا عن الدراسة بعد مارس 2015م مقابل 1.6 مليون وبنسبة ارتفاع وصلت إلى 112% نتيجة لاستهداف المدارس بمتوسط هجومين على المدارس في الأسبوع، وأن هناك أكثر من ألف و600 مدرسة مغلقة أو تستخدم كملاجئ طارئة للأسر النازحة.
السياق..
فيما يتعلق بتقزم الأطفال فإن اليمن هي ثاني أسوأ دولة في العالم في معدلات التقزم، حيث تجاوزت النسبة 41% في 2014م، وإن كانت أقل مما كانت عليه في العام 2011 (46%).
وسجل سوء التغذية معدلات أعلى في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية في 2014م، كما أن معدلات التقزم بين الفتية كانت أعلى من الفتيات.
الحال..
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً واسعاً عن تأثير الحرب في اليمن على الطبقة “متوسطة الدخل” مشيراً إلى إنها آخر ضحايا الحرب.
وفي التقرير الذي كتبه “سودارسان راغافان” مدير مكتب واشنطن بوست في القاهرة، أشار إلى توقف المصانع والشركات عن العمل بسبب استمرار الحرب.
ونقل التقرير الصورة من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء وعمران، وقال: ”في اليمن، ليس الفقراء فقط من يعانون، فالحرب أهلكت الطبقة المتوسطة، التي لطالما كانت دعامة للاقتصاد اليمني الذي كان الأشد فقرًا والأكثر عجزًا في المنطقة، حتى قبل بدء أعمال العنف التي اندلعت منذ 21 شهرًا”.
وتضررت أكثر من 200 شركة، ودُمر بعضها في الغارات الجوية، بما في ذلك عشرات المصانع والمستودعات، حسب غرفة التجارة والصناعة بصنعاء (الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي).
على سبيبل الختم:
الطبقة المتوسطة تكمن أهميتها أنها تقع في وسط الهرم الاجتماعي. وبحسب استطلاع عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، فإن الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة الغنية.
تختلف مقاييس تحديد الطبقة المتوسطة باختلاف الثقافات. وغالبا ما يعتبر اتساع حجم الطبقة الوسطى ورخاؤها في المجتمع أمرا إيجابيا في بنية المجتمعات.
بتقدير البنك الدولي، في مصر والأردن وسوريا وتونس واليمن، كان 36% تقريبا من السكان ينتمون للطبقة المتوسطة في منتصف العقد الأول من الألفية، فيما تضخمت فئة الطبقة المتوسطة إلى 42% من السكان بنهاية العقد.
وتعد اليمن الآن في سلم وجود هذه الطبقة التي ربما أننا نودعها تماما في اليمن ليدخل شعب كامل بنسبة 90% في دوائر الفقر والتجويع في ظل غياب حقيقي للمساندة الدولية أو التدابير الحكومية.