منبر حر لكل اليمنيين

(٣٩ – الجامع الكبير بصنعاء)

61

يعد الجامع الكبير فى صنعاء قلب المدينة الحقيقى ، وقد شكل إنشاؤه فى العام السادس للهجرة حجر الزاوية فى البنية المادية والروحية والفكرية للمدينة ، وقامت على منواله فيما بعد مساجد عديدة أحصاها القاضى الحجرى فى كتابه ” مساجد صنعاء ” فبلغت المئة .

– كان الرسول صل الله عليه وسلم قد أمر الصحابى ” فروة بن مسيك ” وهو رئيس قبيلة مراد فى الجاهلية ، وأحد وجوه قومه فى الإسلام ، أن يقيم مسجدا فى بستان الحاكم الفارسى ” باذان بن ساسان ” ، وكان المكان معمورا ببقايا منشآت سابقة مثل قصر ” غمدان ” الذى يعتقد أن منه قد أحضرت حجارة الجامع الكبير ، وكذلك بعض أبوابه الفولاذية الإثنى عشر ، وفوق أحدها مازالت هناك كتابة بخط المسند الحميرى لأبيات شعر تشير إلى القصر .
    يسمو إلى كبد السماء مصعدا
                     عشرين سقفا سمكها لا يقصر
وقبالة الباب الأول والثانى من أبواب الجامع الشرقية ، مازالت هناك قطعة حجرية ضخمة ، مداميكها ملتحمة بالمعدن المذاب يعتقد كذلك أنها من بقايا قصر غمدان .

– وقد أمر بتوسعته الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك والولاة من بعده . كما عثر علماء الآثار عام ٢٠٠٦م ، بإشراف خبيرة الآثار الفرنسية الدكتورة ماري لين على آثار سراديب وآثار لبناء قديم مازالت تحت الدراسة ، أيضا اكتشف كشف أثري مهم قبل ذلك بسنوات أثناء إزالة الجص من الجدران حيث تم اكتشاف اثني عشر مصحفا قديما أحدها كتب بخط سيدنا علي بن أبي طالب وكذلك أربع آلاف مخطوطة عربية نادرة من صدر الإسلام ، ومراسلات من العهد الأموي وهذه النفائس محفوظة الآن بمكتبة الجامع .

– ومازال الجامع مركز صنعاء الأساسى لنشر وتعليم القرآن الكريم منذ أكثر من ١٤٠٠ عام ، فالجامع لم يك مكانا روحانيا للصلاة فحسب ، بل مركز إشعاع علمى هام أيضا على مدى قرون . وفى عهد الإمام يحيى حميد الدين عام ١٩٣٦م بنيت مكتبته التى ضمت مجموعة هامة من المخطوطات الإسلامية ، وإلى جانبه أنشئت دار حديثة للمخطوطات . 

– وقد ألحقت أمطار غزيرة هطلت في صنعاء عام ١٩٦٥م أضراراً في سقف المسجد في الزاوية الشمالية الغربية . وخلال أعمال الترميم والصيانة اكتشف العمال قبوا كبيرا يحتوي على العديد من المخطوطات القرآنية التى تعد من أقدم النسخ القرأنية التى عثر عليها حتى الآن ، عرفت بمخطوطات صنعاء ، وهى تقدر بحوالى ثلاثة آلاف مخطوطة فريدة محتفظة برونقها وحالتها الجيدة ، يعود بعضها إلى القرون الأولى للهجرة .

– وفيما يتعلق بوصف الجامع ، يمكن القول إنه مستطيل الشكل ، تبلغ مساحته حوالي ( ٦٨ × ٦٥متر ) بنيت جدرانه الخارجية بحجر الحبش الأسود والشرفات العليا بالطابوق والجص ، وهو يحتوي على إثنى عشر باباً ، ثلاثة في جدار القبلة منها باب يعود تاريخه إلى فترة التاريخ القديم نقل من أبواب ” قصر غمدان ” وهو على يمين المحراب ، وفي الجدار الجنوبي مدخل واحد يعرف بالباب العدني تتقدمه قبة صغيرة ، وفي الجدار الشرقي خمسة مداخل ، وفي الجدار الغربي ثلاثة مداخل ، ويتوسط مساحة الجامع فناء مكشوف تبلغ مساحته حوالي ( ٣٩× ٣٨ متر ) تتوسطه كتلة معمارية مربعة الشكل طول ضلعه ستة أمتار ، تغطيها قبة حفظت فيها وقفيات الجامع ومصاحفه ومخطوطاته .

– كما يحيط بصحن الجامع أربعة أروقة هى : الرواق القبلي ، والرواق الجنوبي ،  والرواق الغربي ، والرواق الشرقى . ويوجد ضريح في الناحية الجنوبية من الرواق الغربي يطلق عليه ضريح ” حنظلة بن صفوان ” ، وتبلغ عدد الأعمدة في الجامع ١٨٣ عموداً ، منها ٦٠ عموداً قبلية ، ٣٠ عموداً غربية ، ٥٤ عموداً في المؤخرة ، ٣٩ عموداً شرقية ، ويعود تاريخ هذه الأعمدة إلى الفترة من القرن الرابع حتى القرن السادس الميلادي ، أما السقوف المصندقة فهى ذات زخارف فنية منفذة بطريقة الحفر الغائر ، ويحدد تاريخ السقف المصندق للرواق الشرقي بالقرن الثالث الهجرى استناداً إلى طرازه ، بينما يعود تاريخ سقوف الرواق الغربي وبعض أجزائه إلى العصر الأموي ، وبعضها يعود إلى أوائل العصر العباسي .

– وللجامع مئذنتان ، في الناحية الجنوبية واحدة ، والثانية في الناحية الغربية منه ، فالمئذنة الشرقية أعيد تجديدها في أوائل (القرن الثالث عشر الهجرى ، وتتكون هذه المئذنة من قاعدة حجرية مربعة الشكل بها مدخلان أحدهما في الناحية الشمالية ، والأخرى في الناحية الشرقية ، يقوم عليها بدن مستدير تعلوه شرفه مزدانة بصفوف من المقرنصات ، ويعلو الشرفة بدن آخر سداسي الشكل فتح بكل ضلع نافذة معقودة ، ويتوج هذا البدن بقبة صغيرة وصفها الرازي بأنه لم يعمل مثلها إلا في دمشق أو في منارة الإسكندرية ، أما المئذنة الغربية فتشبه المئذنة الشرقية إلى حد كبير مبنية على قاعدة مربعة يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار ، ويوجد غرب المنارة الغربية مكتبة مملوءة بذخائر التراث العلمي والثقافي واليمني في كافة المجالات ، وفيها المخطوطات النادرة ، ومنها نسخ من القرآن الكريم الذي نسخ في عهد الخليفة ” عثمان بن عفان ” رضي الله عنه ، كما يوجد قبران في فناء الجامع تحت المنارة الشرقية .

– ومما يجدر ذكره ، أنه ليس بعيدا عن الجامع ، كما يعتقد ، كانت هناك كنيسة ” القليس ” الضخمة التى بناها أبرهة الحبشى على هدى كنيسة المهد فى بيت لحم لينقل إليها الحجر الأسود ، وتكون بديلا عن الكعبة المشرفة فى مكة المكرمة ، لكن الطيور المحملة بحجارة من سجيل ، ويقال أيضا الجدرى ، فتكت بجنده ، فهزم قبل أن يهدم الكعبة ، وكان ذلك فى عام ٥٧٠ هجرية .
* باحث مصري وسفير سابق لدى اليمن.
* المرجع : مصادر متعددة.

تعليقات