منبر حر لكل اليمنيين

موت مؤجل

32

إهداء:
أستاذي: (عبد العزيز المقالح) الخالد في عقل كل يمني وفي قلبه! لقد بعثت برحيلك الشاعر الذي كنتُ قد ذبحتُه داخلي منذ عشرين عاماً، وبتفعيلتي (فاعلن، فعولن) وصورهما المتعددة في نصي هذا فتشت عن صحة خبر موتك، فوجدتك حياً لم تمت بعد، وكيف لمثلك أن يموت ونحاول نحن بعثه في ضمائرنا وقصائدنا؟!! ذاك لا يستقيم، فأنت الذي كنت بمحبتك وفكرك وشعرك تبعث في كل حر على هذه الأرض صحو الضمير وصوت القصيد؛ فإلى روحك أهديك وجع البلاد عليك ومحبتها لك في قصيدة أعرف، سلفاً، أنها لا تليق بمقامك أبداً، ولتَأْخُذَنِّي بعفوك يا أبانا الذي في سماء الثقافة والوطنية والنضال والسمو الإنساني!!!

(1)  
ماتَ عبدُ العزيزْ!
لقد قالتِ الريحُ: ماتْ!!
فهل ماتَ حقاً
أو ان الذي ماتَ صوتي
وصوتُ الذينَ تدلَّوا من الفجرِ في حرفِهِ
وصوتُ النبي الذي كانَ يخفيه في همسِه
وصوتُ السماءِ الذي طمستْهُ السطور؟

(2)
ماتَ عبد العزيزْ!
لقد قالت الشمس لا…
لم يمت؛
فحاشى يفوت الذي ينشر الضوء والحب في حينا
وحاشى يموت على أرضنا من يقول القصائد مغسولة بالسنا
وحاشاه حاشاه من أن يغادرنا أو يغيب؛
فما زالَ يهجو الظلام بموتتِهِ
وما زالَ يرفو جراحَ اليتامى ببسمتِهِ
وما زالَ يسكنُ في كلِ حنجرة تتغنَّى بنا
وما زالَ يطلقُ فينا رياحَ التحررِ…
ما زال يطلقُ من سجننا سابحاتِ الطيورْ.

(3)
ماتَ عبدُ العزيزْ!
وعبدُ العزيزِ إذا ماتْ
يكشِّرُ عن نابِهِ الوقتُ منتقماً
ويغرزه في الضمائر…
تلك التي لم تعد في الصدورْ.

(4)
ماتَ عبدُ العزيزْ!
وعبدُ العزيزِ إذا ماتْ،
تناسى الإلهُ موازينَهُ
وعلَّقَ كلمتَه في السماءْ؛
فمن بعده مسنا الله بالضر
وأَورَثَنَا ثلةً من خنازيرَ تلهو بنا
وتأكلُ من لحمِنا
وتشربُ –في نشوةٍ- دمنا
وتسكنُ بالسيفِ في جلدِنا
وترشفُ بالغصب قهوةَ أولادنا
وتسمن منا بلا خجل
وتعلنها -دونما شرف- أنها…
تتمترس فوق محاجرنا والنحور.

(5)
ماتَ عبدُ العزيزُ!!!
وهل تكذبُ الشمسُ…
حينَ (تَفِذُّ) أشعتُها وتقول الحقيقةُ؟
نَعَمْ، تكذبُ الشمسُ…
ما دامَ قد قالَ كلمته ومضى في طريقه.
لقد قالَ…
(إني تركتُ الذي إنْ قَبِضْتُمْ على جمرِهِ لن تَضِلُّوا؛
فظَلَّوا على العهدِ…
إنْ كانَ فيكمْ رجالٌ…
وإنْ كُنتمُ تبتغونَ الحياةْ.
فتحنا لكمْ كُوَّةً في الجدارِ…
لكي تبصروا الضوءَ منها،
وكي تستفيقوا
لمن يحتفي بالسماء…
على وقعِ أَنَّاتكم في القبورْ).

(6)
ماتَ عبدُ العزيزْ!!!
ولكنه قبلَ أنْ يعتلي النعشَ…
ذكَّرنا بالصلاةِ عليهْ؛
فَصَلُّوا عليهِ -غداً- إنْ رغبتمْ،
ولا تتناسوا الذي أوقفَ العمرَ من أجلكم؛
فقد كانَ في كلِّ صبحٍ يُصلي بنا باتجاهِ الشروقْ،
وقد كانَ يقرأُ حينَ يصيرُ إماماً لنا…
سورة الشمسْ،
وكان يرتلُ ما شاءَ من أبجدِ الروحْ،
ويُنهي تشهدَهُ بقصائدَ صنعاءْ؛
فصنعاءُ “عاصمةُ الروحِ” منذُ الأزلْ،
تخَلَّتْ عن الحبِ من بعدِهِ…
وصارت رماداً
وعنقاؤها لا تطير…
ولا تفعل المستحيل.
فكيف لها -بعده- أن تُرى في الذرى؟
وكيف لآجورها ومآذنها…
أن تظلَّ جسوراً معلقة بالسما؟
لقد أسلمَ الروحَ من بعدها
ولكنه قبل ترحيل آلامنا نحو بارئها…
سرنا سرها حين قال:
(مقولاتهم تسرق العقل منا؛
فهذي البلادُ مقابرُ أبنائها…
لا مقابرَ للعابرينْ،
وهذي البلادُ مهاوٍ لعشاقها،
ولكنها قد تصير لهم منفذاً للعبورْ).
من صفحة الكاتب في فيس بوك
صنعاء- الثلاثاء: 29/11/2022م

تعليقات