الفتى والمغني..
(1)
والمغني يغني.. يمرون من حافة القلب، توقد ذكراهم في فؤادي صبابة.
والمغني يغني.. ويسقط بين احتمالات روحي، فتسقط روحي على النغمات المصابة.
والمغني تمنى.. ففاضت أمانيه واشتعلت في أغانيه ضد السكون وضد الرتابة.
(2)
والمغني الذي كان يعزف أشواقنا في ترانيمه، ويفسر أشجاننا في أحاديثه، مر من هاهنا، وقضى نحبه وانتهى للزوال، غاب هذا المغني عن الكون، فاتخذ الكون شكل البكاء على مقعد وبكى فبكينا انقطاع الخيال.
(3)
ليته يعزف الآن أحزانه، ليته يوقظ الآن أشجانه، ويهز الوتر، كان يعزف عزفاً على حسرات الوجود فيبكي الحجر، ويغني ويبكي، يغني ويبكي فيرتعش القلب عن احتضار الأماني، ويرسل بين الغناء خبر، للمغني الحقيقة يعزفها الشوق مثل ابتسام الصبايا الجميلات في غفلة الكون، ومثل انسكاب المطر.
(4)
قال لي: يا فتى ومضى في الغناء، وأثار تفاصيل روحي السجينة بين الأغاني، ولا زمني بالعناء، يا مغني تمهل، يطاردني العزف في كل زاوية، ويقلبني وجعي كيف يشاء.
(5)
يا مغني الفتى قلبه ضائع في حنايا فتاة، عمرها مثل عمر الزهور، وأحلامها في يديها، وأحلامه أمنيات، يا مغني الفتى يعشق العزف، لولاك أنت لمات.
(6)
الفتى يا مغني جريح، لا الفتاة أباحت له سرها كي يغني، ولا الموت جاء لكي يستريح، فأعرني غناءك كيما أعير الفتى بعضه، عله يستريح.
(7)
هل أتاك حديث الفتى يا مغني، وهو يؤدي طقوس الوجع، مسه الحب فانكسرت نفسه، وأضاءت بأحزانها روحه، والغناء انقطع، قل لهذا الفتى يا مغني، أمانيك فيها انكسار، وفيها انحسار وفيها غبار وفيها فزع.
(8)
ذاهلُ قلب هذا الفتى يا مغني أعرهِ السكون شكلته الفتاة كما تشتهي وأرادت له أن يكون.
(9)
قال لي: سقط الكون في الأغنية وأثار غباري، حدق الوجد في بعض أسرار قلبي كثيراً، ثم خط مداري، والمغني يغني، للفتاة التي أوجعت قلب هذا الفتى، للفتاة التي أدركت عشق هذا الفتى للفتاة انكساري.