منبر حر لكل اليمنيين

مِن أَورَاقِ الشَّاهِدِ الوَحِيد

30

فَجرَ الثُّلاثَاءِ مِن شَهرِ الصَّقِيعِ، عَلَى
غِرَارِ تَنهِيدَةٍ فِي صَدرِ عُصفُورِ
صَحَوتُ وَالنَّهرُ مِن عَينَيَّ،
يَحمِلُ أَحزَانَ العُصُورِ
وَفَحوَى كُلِّ دَيجُورِ
هُنَاكَ حَيثُ الوَصَايَا غَيرُ صَالِحَةٍ
وَلا بِمَقدُورِهَا شَيءٌ وَمَقدُورِيْ 

أَوقَفَتنِي جَمَاعَتِي بَينَ بَيتِي وَمَسجِدِي
وَتَمَادَتْ بِخَوفِهَا، مِنْ وصَاةٍ عَلَى العِبَادْ
قُلتُ: لَمْ يَبقَ فِي دَمِي مِنْ حَيَاةٍ إِلَى غَدِ
فَلِمَاذَا أَخَافُ مِنهُمْ عَلَى عُمرِيَ الحِدَادْ؟!
أَخَذَتنِي بِلِحيَتِي وَبِرَأسِي… تَأَكَّدِي:
مَنْ تُرِيدِينَ: هَلْ أَنَا أُم صَدِيقِي أَمِ البِلادْ!

وَقَفَ الجُندُ حَولَنَا فَجَلَسنَا عَلَى التُّرَابْ
نَكتُبُ الشِّعرَ بِالحَصَى وَيُغَنِّي لَنَا السَّحَابْ
لَيسَ فِي بَالِنَا لَهُمْ مِنْ سُؤَالٍ وَمِنْ جَوَابْ
فَالحِكَايَاتُ فِي الدِّمَاءِ الَّتِي تَرفَعُ الكِتَابْ

فِكرَةُ العَابِثِ اشتَهَتْ مَحوَ مَعنَى سَلامَتِي
فَاستَفَزَّتْ سَكِينَتِي وَاستَفَزَّتْ كَرَامَتِي
وَتَعَثَّرتُ بِالعَشَايَا وَفِي الأُفقِ قَامَتِي
كُلُّ يَومٍ أَعِيشُهُ مِثلُ يَومِ القِيَامَةِ

جِدًّا المَهرَجَانُ صَارَ اختِتَامَا
فَبَكَى عَالَمٌ بِصَدرِي وَنَامَا

جِدًّا الأَرضُ بِالتُّرَابِيِّ ضَاقَتْ
فَتَقَدَّم مَعِي نَشُقَّ الزِّحَامَا

وَتَقَدَّم مَعِي لِنَهزِمَ دَربَينَا
بِعَينِ الضَّيَاعِ أَوْ نَتَعَامَى

وَتَقَدَّم مَعِي لِنَسأَلَ عَنَّا
عُشبَةً لَمْ تَكُنْ تَرُدُّ السَّلامَا

وَتَقَدَّم مَعِي لِنَفرُكَ أُذنَيَّ الصَّحَارَى
وَنَستَفِزَّ الغَمَامَا

وَتَقَدَّم مَعِي لِنَقتَلِعَ الجُغرَافِيَا
مِنْ جُذُورِهَا.. لا الخِيَامَا

وَتَقَدَّم مَعِي إِلَى ضِفَّةِ الثَّورَةِ حَالاً..
قَدْ نَستَعِيدُ النِّظَامَا

هَذِهِ فُرصَةُ الرُّعَاةِ
فَإِنْ لَمْ نَغتَنِمهَا صِرنَا لَهُمْ أَغنَامَا

سَقَطَ الشَّاهِدُ الوَحِيدُ أَمَامَينَا
وَكَمْ مَرَّةٍ خَذَلنَا الأَمَامَا!

لَمْ نَكُنْ صَادِقينَ يَومًا مَعَ المَشهَدِ
حَتَّى نُكَذِّبَ الأَيَّامَا

قَالَ كَهلُ انتِظَارِنَا: (كَانَ يَا مَا كَانَ)
لَوْ تَعقِلانِ هَذَا الهِيَامَا

كَانَ طِفلُ الحَنِينِ حُرَّ الأَنَاشِيدِ يُغَنِّي
لا يُزعِجُ الأَحلامَا

لَيسَ يَخشَى حُكُومَةً أَوْ دُعَاةً
هَمَجِيِّينَ، يَمنَعُونَ الكَلامَا

كَانَ طِفلُ الحَنِينِ يَتَّهِمُ الحَاكِمَ فِعلاً..
وَلا يَخَافُ انتِقَامَا

وَالضُّحَى كَانَ إِرثَهُ
يَمنَحُ الأَيقَاظَ مِنْ كُلِّ إِرثِهِ، وَالنِّيَامَا

وَمَرَايَا الحُقُولِ كَانَتْ تُصَلِّي
لِلمَسَاكِينِ دَائِمًا وَاليَتَامَى

فِي الزَّمَانِ الجَمِيلِ
كَانَ اليَمَانُونَ جَمِيعًا لا يَفقَدُونَ الطَّعَامَا

وَاسِعًا رِزقُهُمْ لَقَدْ كَانَ.. حَتَّى
بَايَعُوا الجَهلَ وَالرَّدَى وَالظَّلامَا

فَغَدَوا عَاطِلِينَ عَنْ كُلِّ خَيرٍ
لَا حَلالاً يَلقَونَهُ أَوْ حَرَامَا

هَلْ تَرَى كَيفَ أَغلَقُوا كُلَّ بَابٍ!
وَمِنَ الضَّوءِ يَحرِمُونَ الأَنَامَا

هَلْ تَرَى كَيفَ؟! وَاضِحٌ كُلُّ شَيءٍ
فَمَتَى يُرفَعُ العَذَابُ احتِرَامَا

//بِيَدِي لَيسَ الأَمرُ لأَحمِلَ أَعبَاءَ الخَصمَينِ وَحُزنَ العَالَم\\

الإِخوَةُ الدُّخَلاءُ: استَوحَشَتْ مُدُنِيْ
              وَضِقتُ مِنْ شَبَحِ الأَطلالِ وَالدِّمَنِ
وَخَاصَمَتنِي مَوَاعِيدِي، وَأَخرَجَنِي
                سَبتُ الأَنَاشِيدِ مِنْ رُوحِيَّةِ الزَّمَنِ
وَلَمْ أَعُدْ قَائِلاً: (هَلْ حَانَ مَوعِدُنَا)
                  وَلَمْ تَعُدْ قَولَةُ الآمَالِ: (لَمْ يَحِنِ)
كَأَنَّ مَجنُونَةَ المَعنَى وَقَدْ قَفَزَت
                مِنْ جَبهَتِي، أَخَذَت رَأسِي بِلا ثَمَنِ
وَصِرتُ لا خَرَجَت رُوحِي بِعَافِيَةٍ
                   وَلا تَعَافَى -مِن اسئِصَالِهِ- بَدَنِيْ
وَلا عَقَلتُ مَوَاجِيدِي وَأَمكِنَتِي
                      وَلا تَمَكَّنتُ مِنْ كَونٍ يُشَرِّدُنِيْ
كَأَنَّ إِشرَاقَتِيْ لَيلٌ، وَذَاكِرَتِي
                  مِلحٌ أُجَاجٌ، وَمَسرَى قُوَّتِي وَهَنِيْ
هَذِي الدِّيَارُ بِمَا فِيهَا تَقُولُ لَكُمْ:
                   مَا مِنْ بَقَاءٍ لَكُمْ -حَقًّا- وَلا سَكَنِ
أُفٍّ لَكُمْ -كُلَّ حِينٍ- لا عُقُولَ لَكُمْ
                  فَلَيسَ فِيكُمْ لِهَذَا الأَمرِ مِنْ فَطِنِ
وَلَيسَ مِنْ حَقِّكُمْ أَنْ تَحكُمُوا بَلَدًا
                   كَيْ تُرجِعُوهُ لِعَهدِ القَملِ وَالكُتَنِ
وَتَرفَعُوا رَايَةَ المَاضِي البَغِيضِ عَلَى
               جَمَاجِمِ الْفِكرِ بِسمِ الفَرضِ وَالسُّنَنِ
تُبدُونَ عِشَقًا حَقِيقِيًّا لِحَضرَتِهِ
                 وَفِي الحَقِيقَةِ كُلَّ الحِقدِ وَالظَّغَنِ
وَتَرسُمُونَ لِدَربِ الأَمنِ خَارِطَةً
                   وَمِثلُكُمْ -لا سِوَاكُمْ- غَيرُ مُؤتَمَنِ
تُصَوِّرُونَ ضُحَى مُستَقبَلٍ حَسَنٍ
                 وَكَيفَ يَصدُقُ وَعدُ القُبحِ لِلحَسَنِ
الإِخوَةُ الدُّخَلاءُ: انسَوا مَطَامِعَكُمْ
               وَلتَغرُبُوا عَنْ مَقَامَاتِي وَعَنْ وَطَنِيْ

//سَلَبُونَا عَافِيَةَ الحَاضِرِ وَالمُستَقبَلِ، وَقَضَوا فِي الأَجوَاءِ،
عَلَى آخِرِ أَنفَاسِ المَرعَى وَعَلَى أَسئِلَةِ القَمحِ عَنِ الأَيتَامِ..
سَأبعَثُ بَرقِيَّةَ مَنفِيٍّ فِي مَوطِنِهِ، لِلمَجهُولِ وَلِلمُغتَرِبِين\\

الإِخوَةُ الغَائبُونَ الآنَ: يَحمِلُنِيْ
           هَمُّ البِلادِ، وَفِي المَجهُولِ يَقذِفُنِيْ
قُلتُ: السَّلامُ عَلَيكُمْ مَرَّتَينِ كَمَا
            شَاءَ السَّلامُ، مِنَ الإِنسَانِ وَالوَطَنِ
كُونُوا بِخَيرٍ سَمَاوِيٍّ وَعَافِيَةٍ
            وَلتَشكُرُوا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَفِي عَلَنِ
تَخَيَّلُوا كَيْفَ صَارَ اليَومَ مَوطِنُكُمْ
            وَالهَولُ أَكبَرُ مِنْ صَنعَا وَمِنْ عَدَنِ
تَخَيَّلُوا شَعبَكُمْ/ شَعبًا بِأَكمَلِهِ
            يَمُوتُ مِنْ شِدَّةِ الوَيلاتِ وَالمِحَنِ
يَمُوتُ قَهرًا عَلَى تَارِيخِهِ، وَعَلَى
                 مَجدِ العُرُوبَةِ جُمهُورِيَّةِ اليَمَنِ
يَمُوتُ قَهرًا عَلَى أَبنَائِهِ.. دَرَسُوا
            تَعَلَّمُوا.. أَصبَحُوا فِي قَبضَةِ الوَثَنِ
يَمُوتُ قَهرًا عَلَى حُرِّيَّةٍ حَمَلَتْ
                  كِفَاحَهِ.. وَعَلَى أَحرَارِ ذِي يَزَنِ
يَمُوتُ جُوعًا وَحِرمَانًا وَبَهذَلَةً
                  فِي وَاقِعٍ بَائِسٍ فِي وَاقِعٍ نَتِنِ
يَمُوتُ صَبرًا عَلَى جَورِ الطُّغَاةِ فَلا
            يَقوَى عَلَى صَبرِهِ فِي زَحمَةِ الفِتَنِ
لَا تَترُكُوا شَعبَكُمْ فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ
          يُصَارِع المَوتَ.. لَيتَ المَوْتُ لَمْ يَكُنِ
إِذ لا حَيَاةَ هُنَا، إِنَّ الحَيَاةَ هُنَا
                   مَوتٌ عَنِيفٌ.. تَعَدَّى آلَةَ الزَّمَنِ
الشَّعبُ مَاتَ فَلا تَبكُوا عَلَيهِ وَلا
              تَأسوا.. فَلا وَقتَ لِلمَأسَاةِ وَالحَزَنِ
مِنَ الشُّعُوبِ اطلُبُوا لِلشَّعبِ فَاتِحَةً
                  وَلتحسَبُوهَا عَلَيهِ.. خِيرَةَ المِنَنِ
لا تَترُكُوا شَعبَكُمْ مَيتًا بِلا كَفَنٍ
                هَذَا عَلَى كُلِّ أَهلِ الأَرضِ لَمْ يَهُنِ
فَلتَبعَثُوا بَعضَ أَورَاقٍ لِتَستِرَهُ
                قَدْ تُرجِعُ المَيتَ حَيًّا قِيمَةُ الكَفَنِ

//حَقِيقَتُنَا فِي الوَاقِعِ، تَكتُمُ غَيظَ المِرآةِ، فَيَنكَسِرُ اللَّونُ،
وَتَتَّضِحُ الصُّورَةُ: حُرَّاسُ الحِكمَةِ نَامُوا فِي حَلقِ الفَوضَى
وَأَنَا أَرفَعُ أَسوَارَ المُوسِيقَى، كِيْ أَحفَظَ دِفءَ الأَروَاحَ بِهَا،
أَمَّا أَنتِ فَخُذلانٌ أَبشَعُ مِمَّا يَتَصَوَّرُ مَجنُونٌ فِي المَنفَى\\

عَلَى مَدَى قُرُونِ
وَأَنتِ فِي عُيُونِي

بَصِيرَتِي وَقَلبِي
بِنَبضِهِ الحَنُونِ

وَأَنتِ فِي لِسَانِي
عَظِيمَةُ اللُّحُونِ

وَأَنتِ فِي كِتَابِي
طَوِيلَةُ المُتُونِ

وَأَنتِ سِرُّ كَافِي
وَأَنتِ سِرُّ نُونِي

أَخَذتِ كُلَّ عَقلِي
وَمُنتَهَى جُنُونِي

أَفنَيتُ فِيكِ حُبِّي
وَلُذتُ بِالشُّجُونِ

أَرَدتُ أَنْ تَكُونِي
ذَاتِي، فَلَمْ تَكُونِي

وَمُذْ وَهَبتُ رُوحِي
تُقَاسَمُوكِ دُونِي

عُذِّبتُ مِنكِ فِيهِمْ
وَفِيكِ عَذَّبُونِي

دَافَعتُ عَنكِ حَتَّى
تَجَعَّدَتْ غُبُونِي

عَلَى مَدَى قُرُونٍ
شَبِعتُ مِنْ مَنُونِي

وَأَنتِ لا جَوَابٌ
أَعلَى مِنَ السُّكُونِ

عَلَى الأَقَلِّ هَاتِيْ
قَبرًا لِيَدفُنُونِيْ

وَأَطعِمِيْ صِغَارِيْ
وَسَدِّدِيْ دُيُونِيْ.

تعليقات