منبر حر لكل اليمنيين

ندْبٌ بِنَاَصِيَةِ الْبَوْرَزَانْ

35

لَمْلِمْ رُفاتَكَ يا فَتَى،
والعَقْ جِراحكَ..
وانْبَعِثْ مِنْ بَيْنِ أَطْلالِ المَدينةِ بالبِشارةِ
والْتَمِسْ مِن روحِها قَبَساً لِكَيْ تَقْوَى على الزَّمنِ الٌجَهُوْلْ
مِنْ صَوْتِ “أيوبَ” المسافِرِ في اخْتلاجاتِ السَّحابِ، ومِنْ ثَرى “النُّعْمانِ” في أَعْلى سَماءِ اللهِ…
مِن شَجَنِ “الفضولْ”.
مِن أُغْنِياتِ اللوْنِ في لَوْحاتِ “هاشم”، مِن أَفانينِ النّدى والماءِ في “وادي الضّبابِ”، وفي افْترارِ القَمْحِ في ثَغْرِ الحُقول.
مِنْ “نَجْمةٍ كانت تَقودُ البَحْرَ”. مِنْ “فَتّاح”
مِنْ “عبدِ العزيزِ”، ومِن ثَرى “باذيب”، مِن “عدنان”، مِن “عبدِ الرّقيبِ”، مِن “المُشَقَّرِ بالغَمامةِ” والكَرامةِ والغُيول.
مِن حلمِ “بائعةِ المَشَاقِرِ”، مِن أَغاريدِ “الملالاةِ”.يولَدُ التّاريخُ ثانِيةً مِنَ “العَهدِ الرّسولِيِّ” المُدَجّجِ بالمَآذِنِ والمَوالِدِ والفَوارِسِ والخُيول.
مِن “يَفْرُس الباهُوتِ” حتّى مَهْجَعِ “الشّبزيّ” تَخْتَلِجُ المَعارِجُ باختلافِ اللحْنِ والمَغْنَى وأشْجانِ المُغَنِّي.. تَبدأُ الأرواحُ رِحْلَتَها إلى أَعلى مَقاماتِ التجَلِّي والحُلول.
مَنْ هذهِ الْــسَكَنَتْ نَشيدَكَ، واسْتَحالتْ في رُؤاكَ
مَدائِناً ومَآذِناً. قَمْحاً. غِلالاً سُنْدُساً. بُنّاً
وتَوْشيحاً سَماوِيّاً يَقُضُّ مَضاجِعَ الفَوْضى
ولا يَخْشى الوُشاةَ ولا العُذُول ؟!
تَعِزٌ.. وتُصْغي الأرْضُ للمَعْنى، وتَتَّحِدُ الأَهِلَّةُ بالبيوتِ القابضاتِ على الجِراحِ، وتَرْتَمي الذِّكرى كـَ”سَيْلٍ دافِقٍ بالضَّوْءِ مِن أعْلى رُبَى صَبِر المجيدِ إلى السُّهول.
هذا نَشيدي يا بْنَةَ المَجْدِ العَظيمِ، وأُمَّ قَلْبي..
فاسْمَعي أَوْجاعَ أيّامي، وآهاتي.. ومُدِّيني بِبَأْسٍ منكِ كَي أَقْوَى على صَدِّ الوَضاعَةِ والفَظاعَةِ والذُّبول.
هذي العَواصِفُ، والقَذائفُ والطَّوائفُ.. والتّوابيتُ الّتي انْسَلّتْ على سَهْوٍ مِن التّاريخِ، وانْبَثّتْ لتَغْتَصِبَ الحَضارَةَ والطُّفولةَ والفَضيلَةَ والحَقيقَةَ والعُقول.
تَعِزُ التي تَذْوي.. وتُشْرِقُ.. كُلّما قيلَ انْطَفَتْ شَبَّتْ بِقَلْبِ البَحْرِ، واتَّكَأَتْ على أحلامِها العَذْراءِ، تَعْصِف بالفَوَاجِعِ والهَزيمةِ والذُّهول.
يا “بابَ مُوسَى’ المُشَرَعَ الأحْضانِ للفَجْرِ الذي رَسَمَتْهُ أحلامُ النِّساءِ على جِدارِ القَلْعَةِ الشَّمَّاءِ.. مُمْتَزِجاً بأشْجانِ الأَجِنّةِ والكُهول.
لا.. لَسْتَ وَحدَكَ. لِلمَدينةِ رَبُّها، فاصْغِ لصَوْتِ اللهِ في صَوتِ الرّعيَّةِ، في أَنينِ الأرْضِ، في حُزْنِ السّماءِ، وفي مُعاناةِ الشَّوارِعِ والطُّلول.
قُل للذين تَأبَّطوا شَبَحَ الدُّجى، وتَخَضَّبوا بدماءِ أحلامِ الصَّبايا: إنَّ في آفاقِها غَيْثَ الكَرامةِ، لا يَكُفُّ عنِ الهُطول.
والبُنُّ في وادي “بَني حَمّاد” يَمْرَحُ في الشِّعابِ السُّندُسِيَّةِ، هازِئًا بالموتِ والطّاعونِ.. يَنحِتُ للغَدِ الآتي دُروباً فوق أعناقِ المواسِمِ والفُصول.
وهُنا السّماءُ قريبةٌ لِرُبىَ الجَنَدْ
والأرْضُ تُشْبهُ في الشُّموخِ “أبَا سَنَدْ”.
فاخْتَرْ صَباحَكَ، وانْبَثِقْ. مِن كُلِّ جُرْحٍ. يا بْنَ عِزَّتِهَا  انْبِثقْ. كالبَرْقِ في وَجْهِ البَلادةِ والتَّوَحُّشِ والخُمول.
تَعِزُ التي تَنْصَبُّ في مَجْرى الزّمانِ ثَقافةً. حُرِّيَةً، مَجْداً. طُموحاً. حِكْمَةً.. لنْ تَسْتَكينَ الشّمْسُ فيها للأُفول.

تعليقات