مؤسسة “نداء للتعايش والبناء” مدونة السلوك الوظيفي الحوثية لا علاقة لها بالمجتمع اليمني
أصدرت مؤسسة التعايش والبناء بيانا كشفت فيه عن المعايير المجحفة والغير موضوعية التي حملتها “مدونة السلوك الوظيفي” الصادرة عن مليشيات الحوثية الإرهابية.
البيان وقف على محتوى المدونة وما تضمنته من نقاط لا تمت بأي صلة للمجتمع اليمني وليس لها علاقة بالسلوك وعلاقة الموظف بالعمل مطلقا ولا تتوافق ابدا مع معيار الثواب والعقاب وأهمية التنوع.
الجدير بالذكر أن هناك شبه إجماع من قبل المتابعين لخطوات المليشيا في هذا الإطار والعديد من الناشطين والمنظمات المحلية التي اعتبرت المدونة جزء من إذلال الموظف ومحاولة ربطه بالولاء والبراء لزعيم المليشيا وكأنه اصطفاء ليكون السيد على الجميع في واحدة من أسوأ التجاوزات مع منطق العقل والاتفاقيات الدولية في حقوق الإنسان وحتى الفطرة السليمة.
بيان المؤسسة.
ترفض مؤسسة نداء للتعايش والبناء مزعوم مدونة السلوك الوظيفي التي يسعى الحوثيون الى فرضها على موظفي الدولة باعتبار ما جاء فيها ملزما وشرطا أساسيا للوظيفة والترقية وتقييم سلوك الموظفين في مؤسسات الخدمة العامة التابعة للدولة . وتدعو الحوثيين (سلطة الأمر الواقع) إلى التراجع عنها وعن قرارهم بإلزام الموظفين على توقيعها والعمل بموجبها، كونها بنيت على أساس ضيق لا يستوعب حقيقة أن المجتمع اليمني ثري بالتعدد والتنوع السياسي والثقافي والفكري والديني.
لا شك أن وجود مدونة سلوك للوظيفة العامة هو أمر ضروري لضمان النزاهة واحترام حقوق الانسان وتحقيق الشراكة في التنمية تحت مظلة مبادئ العدالة الاجتماعية للجميع دون تمييز عنصري أو ديني، شرط أن تكون المدونة تستند إلى مبادئ ومعايير موضوعية غير متحيزة تحترم التنوع والشمول والمواطنة المتساوية، غير أن مزعوم المدونة الراهنة بصيغتها المتحيزة جاءت مخالفة تماما للنزاهة والكفاءة والأخلاق المهنية، فقد دس فيها الحوثيون – بإمعان واصرار- عبوات ناسفة لقيم ومعايير النزاهة والكفاءة بالزام الموظفين على القيام بأعمال تتعلق بالولاء والطاعة للجماعة والامتثال لتوجيهاتها النابعة من معتقدها الخاص بها كطائفة دينية تطمح للاستيلاء على مقدرات الدولة ، وبذلك تفسد نزاهتهم المتأصلة في فطرتهم، وتجبرهم على النفاق والتزلف والشللية والنفعية المقيتة ، وتصادر حقوقهم الاساسية المتعلقة بكرامتهم وحريتهم الشخصية في الدين والمعتقد ، وتكون النتيجة حصول عامة الناس على خدمات عامة هزيلة لا تخدم إلا فئة ضئيلة من المجتمع.
تؤكد (نداء) أن هذه المدونة بما فيها من مبادئ متحيزة وضيقة، لا تمثل المجتمع بكل اطيافه وتنوعه ، بل بُنيت بمفاهيم ومعايير تكرس الرجعية السلطوية الفردية التي نبذها الشعب اليمني فجر ثورتي 26 سبتمر و 14 أكتوبر . إن المدونة لا تصلح الا ان تكون خاصة بأعضاء جماعة الحوثيين لأنها متحيزة لفكرهم ومعتقدهم دون غيرهم وهذا شأنهم كشأن أي جماعة أخرى من حقها أن تعتقد ما تشاء شرط ألا يؤدي ذلك الى الإضرار بحقوق الاخرين، فقيم التسامح والتعايش العالمية كفلت لكل انسان الحق في أن يعتقد ما شاء بشرط احترام هذا الحق واعتباره مكفولا لكل انسان دون انتقاص. غير أن الحوثيين قدموا مدونتهم الخاصة ويريدون فرضها قسرا على كل الموظفين بما فيها من معتقدات وأفكار لا تمثل غيرهم .
تحذر مؤسسة نداء للتعايش والبناء من إنفاذ المدونة المزعومة على مؤسسات الخدمة العامة ، لما يعتريها من اعتلالات مقلقة دُسّت لأغراض خطيرة لا تنتهك حقوق الإنسان فحسب ، بل تؤذي كرامة الإنسان وتؤدي إلى تفكيك المجتمع اليمني وطمس هويته الأصيلة الحاضنة للتنوع الديني والفكري والمذهبي والسياسي والثقافي ، والباعثة للتعايش والتسامح والقبول بالإخر المختلف تحت سماء الوطن الواحد، واستبدالها بهوية الجماعة الحوثية وحدها دون غيرها والتي اطلقت عليها (هويتنا الإيمانية) وكأنه لا هوية إلا هويتها ، ولا لون إلا لونها، ولا إيمان إلا إيمانها وهذا أمر خطير مثير للقلق وتداعياته لن تكون حميدة على المستويين القريب والبعيد
إننا في مؤسسة نداء للتعايش والبناء ندعو الحوثيين الى مراجعة المدونة وتعديلها لتستوعب التنوع الثقافي والديني في المجتمع وتعزز قيم التسامح والتعايش، يجب أن تهدف المدونة إلي تنمية التفاهم والمحبة انطلاقا من وحدة الانسانية لا من الولاء للجماعة ، يجب أن تستند الى مقاييس النزاهة والكفاءة وعدم التحيز والمساواة بين الرجل والمرأة والتنوع والشمول ، كونها بصورتها الراهنة لا تعدو أكثر من أداة لفرز الموظفين إلى تابعين ومعارضين. وتخشى مؤسسة نداء من تبعات ذلك أولا على المؤسسات العامة بعد تفريغها من الكفاءات وإحلال التابعين للجماعة دون غيرهم وبالتالي افساد الوظيفة بقيم نفعية لا تخدم المصلحة العامة . وثانيا على مستوى الوطن كون المدونة تفتح أبواب واسعة للفتنة والعداوة بين فئات المجتمع ومكوناته المتعددة، لأنها تعتمد على تهميش واقصاء الآخرين وتستند إلى تصنيف الموظفين بمعيار التبعية، وقد يؤدي هذا الى الاحباط والعدوانية والعصبية وتحفيز الصراع على اغتنام مؤسسات الدولة، ثالثا المدونة تؤسس ثقافة بغيضة تعتبر مؤسسات الدولة ومقدراتها غنيمة للجماعة المسيطرة على السلطة دون الشعب بمختلف أطيافه ، فيضعف الولاء الوطني وتزداد التعصبات والصراعات والتوترات والاضطرابات في الوطن ، وتظل اليمن في ظل هذه الثقافة تنتقل من حرب الى أخرى ومن سيء إلى أسوأ.
إن المدونة بصيغتها الراهنة تقدم دليلا كافيا لإثبات التهم التي قيلت بحق الحوثيين وعلى اساسها اندلعت الحرب للخلاص من شرهم ، ومنها أنهم جماعة رجعية تهدف الى الاستيلاء على اليمن وثرواته وإقامة نظام امامي سلطوي رجعي مستبد ، قائم على مبدأ الحق الإلهي الذي نبذه الشعب اليمني وضحى من أجل التحرر منه ولن يعود إليه ابداً .
يجب أن تتبنى المدونة التدابير الكافلة للتسامح والتعايش والقبول بالآخر . ليس لأن التسامح والتعايش عزيز على مؤسسة نداء فحسب ، بل لأن المجتمع اليمني بحاجة ضرورية لإرساء قيم وأسس السلام وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا سيما في هذه المرحلة الحرجة التي يتوق الشعب اليمني فيها الى السلام.
التعايش والقبول بالآخر في الواقع ليس مجرد حالة ذهنية ووعي فحسب، بل هو التزام أيضاً، وقوامه أن يدرك المرء أن التنوع الثقافي يمثل عامل إثراء لا عامل انقسام؛ و أن كل ثقافة، بما فيها من اختلافات مباشرة وبادية للعيان، تنطوي على سمة عالمية وكأن التنوع خاصية تتحدث بلغة تنطق بها الإنسانية جمعاء. ونذكر بأن الإعلان العالمي بشأن التسامح قد شدد على أهمية احترام التنوع الثقافي والديني والعرقي في حياة المجتمعات ليس بوصفه واجبا اخلاقيا فحسب، بل بوصفة ضرورة سياسية وقانونية ايضا.
صادر عن مؤسسة نداء للتعايش والبناء
السبت 19 نوفمبر/ تشرين ثاني 2022