منبر حر لكل اليمنيين

عَلَى صَخرَةٍ فِي المَغِيب

26

لَنْ أَحكِي عَنِ الشِّعَابِ المُخِيفَةِ وَالزِّحَامِ المُتَجَعِّد..
أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ شَيئًا لا يَعنِينِي أَبَدًا،
كَأَنْ أَقُول: هُنَاكَ تَارِيخٌ مُشَوَّة
يَختَرِقُ الأَنظِمَةَ وَالدَّسَاتِير،
وَهُنَا حَاضِرٌ يَشهَدُ الزُّور
يَعتَنِي بِشَوَارِبِ الطُّغَاة
كَمَا لَوْ أَنَّهَا ثِمَارُ الجَنَّة.
لَنْ أَلتَفِتَ إِلَى مَملَكَةٍ
وَلا إِلَى مَلِكٍ أَوْ قَائِد،
سَأَكتَفِي بِغَضِّ طَرفِي
وَالتَّلوِيح لِحَفَّارِ القُبُورِ:
أَينَ ذَهَبَ حَارِسُ المَقْبَرَة!!
ذَهَبَ لِلعِلاجِ مِنْ مَرَضٍ وِرَاثِيّ، 
فَجَمَاجِمُ السِّيَاسِيِّينَ المُتَقَيِّحَة
لا تُدَاوِي جُرُوحًا سَطحِيَّةً لِمُوَاطِن،
فَكَيفَ سَتُغَيِّرُ مُعَادَلاتِ حُرُوبٍ مُزمِنَة!!..
النَّتِيجَةُ فِي هَذَا البَلَدِ لِصَالِحِ الظِّلالِ المُبِين
فَالخَسَارَاتُ فَادِحَةٌ -جِدًّا- لا تُعَوَّضُ بِصَلاةِ الشُّكر
وَالمَجدُ كَآخِرِ صَفحَةٍ فِي كِتَابٍ، مُذَيَّلَةٍ بِكَلِمَةِ “انتَهَى”..

مَرَّةً قُلتُ فِي نَفسِي: سَأَخرُجُ وَحِيدًا فِي نُزهَةٍ قَصِيرَة
لَمْ أُكمِلِ الحَدِيثَ مَعَ نَفسِي إِلاَّ وَانكَسَرَتْ سَاقُ الفَجر
وَاحتَرَقَ مَنزِلٌ فِي الجِهَةِ المُقَابِلَةِ لِطَرِيقَي المُعتَاد،
وَانقَلَبَتْ سَيَّارَةٌ مِنَ الجَبَلِ وَسَقَطَتْ إِلَى الوَادِي،
كُنتُ لَمْ أَزَلْ أَشَاهِدُ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الشُّرفَة
أُقَلِّبُ كَفِّي فِي الهَوَاءِ وَبَصَرِي فِي الهَولِ
كَأَنَّ سِلسِلَةً مِن العَلَامَات تُعَكِّرُ مِزَاجِي
وَتُطَارِدُنِي بِحَشدٍ كَبِيرٍ مِن الأَسئِلَة، 
وَطِفلِي يَقفِزُ فَوقَ ظَهرِي كَالأَرنَب
يُرِيدُ الخُرُوجَ مَعِي بَعدَ كُلِّ هَذَا..

الآنَ فِي السَّاعَةِ صَفرٍ مِنَ الدَّهر،
فِي المَكَانِ الخَارِجِ عَنِ الأَرضِ كَالقَرنِ،
أَكُحُّ حَتَّى تَختَنِقَ الجِهَاتُ وَالطَّبَائِعُ الْأَربَع
كَأَنَّ فِي صَدرِي أَدخِنَةَ العُصُورِ وَصَدَأَ  الأَكوَان،
لا تَشغَلنِي يَا صَغِيرِي بِصَوتِ بُكَائِكَ وَمُشَاغَبَتِك
لَنْ أَخرُجَ فِي نُزهَةٍ وَلا فِي عَزَاءٍ وَلا لأَيِّ أَمرٍ طَارِئ،
سَأَجلِسُ فِي غُرفَتِي كَالأَسِيرِ الَّذِي لَيسَ لَهُ مَنْ يَفتَدِيه
أَمتَهِنُ الصَّمتَ وَالتَّأَمُّلَ فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين،
لا عَلَاقَةَ لِي بِالِانتِهَاكَاتِ البَشَرِيَّةِ وَلا بِتَجَاعِيدِ الحُكُومَات..

عَلَيكَ بِأَوَّلِ قَافِلَةٍ وَبِآخِر صُدفَةْ
كُنْ وَاثِقًا مِنْ دَمِ الوَقْتِ لا مِنْ جُرُوحِكَ،
لَا تَتَأَخَّر عَنِ المَوعِدِ المُتَجَسِّدِ فِي سَاعَةِ الرَّملِ،
إِنْ لَمْ تَخُضْ فِي حَنِينِكَ مَعرَكَةً مَا؛ لِتَربَحَ فِيهَا الخَرِيطَةَ،
سَوفَ تَعُدُّ خُطَاكَ، وَتَنسَى طَرِيقَكَ فِي هَذِهِ البَلدَةِ/ الرِّيح
كُنْ وَاثِقًا مِنْ دَمِ الوَقتِ، أَوْ لا تَكُنْ وَاثِقًا مِنْ دَمِ الوَقتِ،
لَنْ تَحتَوِيكَ بِلادُكَ لِلعَيشِ -عَيشًا كَرِيمًا- كَمَا يَنبَغِي،
فَاتَ مِنكَ الكَثِيرُ وَأَنتَ تُؤَمِّلُ فِي خَيرِهَا
وَهِيَ مَشغُولَةٌ عَنكَ بِالدُّخَلاءِ،

بَكَيتَ عَلَيهَا وَمِنهَا بُكَاءً بَعِيدًا،
تَعَثَّرتَ بِالأَمنِيَاتِ الَّتِي لا تَمُرُّ،
انكَسَرتَ كَثِيرًا.. تَعِبتَ، تَعِبتَ،
فَنِمتَ عَلَى صَخرَةٍ فِي المَغِيبِ،
وَعَينَاكَ شَاخِصَتَانِ، وَصَمتُكَ لَيلٌ
وَمَقبَرَةٌ بِاتِّسَاعِ الغِيَابِ المُشَاكِسِ.. 
يَخطُرُ فِي بَالِكِ -الآنَ- حِزمَةُ أَسئِلَةٍ:
أَينَ كُنتُ؟ وَمَاذَا فَعَلتُ؟ وَهَلْ كُنتُ فِيكُمْ؟
وَهَلْ هَذِهِ الأَرضُ تَحمِلُنِي كَمَرِيضٍ عَلَى ظَهرِهَا؟
وَهَلِ استَوعَبَتنِي الحَيَاةُ؛ لأُنصِفَهَا بِأَغَانِي الوُجُودِ؟
وَهَلْ هَذِهِ الدَّارُ -ظُلمَةُ حَربِ الحَقِيقَةِ وَالوَهمِ- دَارِي؟
وَأَينَ بِلادِي تُرَابًا وَمَاءً وَعُشبًا -لِكَيْ أَتَنَفَّسَ- أَينَ بِلادِي؟

تَصَفَّحَتُ المَدَائِنَ فَاستَجَارَتْ بِصَوتِي كَيْ يَكُونَ لَهَا خَلِيلا
فَقُلتُ: المُستَحِيلَ صَنَعتُ، حَتَّى
وَجَدتُكِ تَجحَدِينَ المُستَحِيلا
لِذَلِكَ قُلتُ فِي نَفسِي كَلامًا
كَثِيرًا، وَاختَصَرتُ لَكِ القَلِيلا
كَتَبتُ عَلَى شَوَاهِدِ كُلِّ قَبرٍ:
بِخَيرٍ كُلُّ مَنْ عَرَفَ الرَّحِيلا
فَمَنْ أَلِفَ البَقَاءَ اشتَدَّ خَوفًا
عَلَى الدُّنيَا، وَلَمْ يَأمَنْ سَبِيلا
وَمَا زَمَنٌ مَضَى وَأَتَى سِوَاهُ
سِوَى لِيُشَيِّعَ اللَّيلُ الأَصِيلا
وَمَا ضَاقَتْ حَيَاةُ النَّاسِ إِلاَّ لِكَيْ يَتَذَكَّرُوا الزَّمَنَ الجَمِيلا

وَهَاتِفٌ مِنْ بَعِيدٍ، جَاءَ فِي أَسَفٍ
يَحكِيكَ وَحشَةَ إِخوَانٍ وَجِيرَانِ:
بِلادُكَ اغتَصَبُوهَا فِي طُفُولَتِهَا
وَصَارَ فِيهَا مَكَانَ الإِ..ــرِ إِ..ــرَانِ
فَاستَمتَعَت جَمرَةً وَاستَمتَعَت لَهَبًا
فَكَيفَ تُطفِئُ نِيرَانًا بِنِيرَانِ
وَشَهوَةُ الحَربِ لا خَوفٌ وَلا حَرَجٌ
لَوْ رَأْس طَهرَان طَالَتْ قَاعَ جَهرَانِ
تَختَانُ فِي وَعيِهَا أَوْ غَيرَ وَاعِيَةٍ
مَا فِي الخِيَانَاتِ مِنهَا رَأْيُ حَيرَانِ
بِلادُكَ الآنَ: مُت قَهرًا وَمُتْ كَمَدًا
لِلحُلمِ قَبرٌ وَلِلتَّأوِيلِ قَبرَانِ

هُنَاكَ تَقُولُ: أَنَا آسِفُ
فَمِنْ بَطنِ جَنَّاتِنَا العَاصِفُ
لَقَدْ أَشعَلُوهَا كَثِيرًا، وَلا
أَنَا مُطمَئِنٌّ وَلا خَائِفُ
وَتَحكِي عَنِ الصَّبرِ/ عَنْ عَالَمٍ
عَلَى يَدِهِ يُخذَلُ العَارِفُ
وَتَرمِي إِلَى حِكمَةٍ فِي الدُّجَى
يُحَاكِمُهَا المَشهَدُ الزَّائِفُ
وَتَستَنزِفُ الذِّكرَيَاتِ الَّتِي
يَعِي جُرحُهَا أَنَّكَ النَّازِفُ
وَتَسعُلُ فِي وَجهِ هَذَا المَدَى
كَسِيرًا.. وَفِيكَ المَدَى عَاكِفُ
فَتنهِي مُهَاتَفَةً فِي الضَّيَاعِ
وَيَهتِفُ مِنْ بَعدِهِ هَاتِفُ:

خَلِّهَا لِلجَحِيمِ أَدجَى وَأَعبَسْ
وَسوَاهَا خَلفَ المَنَايَا تَحَسَّسْ

إِنَّهَا جَامِعُ المَخَافَاتِ.. صَارَتْ
لِلِرَّدَى سَاحَةً، وَلِلهُولِ مَترَسْ

أَنتَ فِيهَا مُعَذَّبٌ، أَنتَ فِيهَا
لِلمَشَقَّاتِ وَالعَذَابَاتِ فهرَسْ

لَمْ تَدَعْ فِيكَ رَغبَةً لِلأَمَانِيْ
قَتَلَتْ فِيكَ كُلَّ حُلمٍ مُفَردَسْ

فِيْ يَدِ الصَّحوِ خِنجَرٌ مِن نُحَاسٍ
وَعَلى رَأسِ كُلِّ غَافٍ مُسَدَّسْ

فَليَكُنْ: عَنكَ أَنَّهَا قَد تَخَلَّتْ
هَل لِتَزدَادَ قُوَّةً أَمْ لِتَيأَسْ!! 

سَوَّدَ اللَّهُ وَجهَهَا مِنْ بَنِيهَا
فَاحِمًا صَارَ بَعدَ مَا كَانَ نَرجَسْ

حَطَبَ الثَّأرِ سَمِّهَا، فَالمُنَادِيْ
لا يُنَادِيْ إِلاَّ الرَّمَادَ المُكَدَّسْ

هِيَ تَبدُو كَمَا تَشَاءُ، فَكُنْ مَا
شِئتَ، إِمَّا مُكَرِّسًا أَوْ مُكَرَّسْ

كُنتَ أَغنَى مِنْ أَنْ تَجُوعَ وَتَعرَى
وَهي تسقِيْ وَتُطعِمُ الحَبرَ وَالقَسْ 

وَيَدُ القَائِمِينَ فِيهَا عَلَيهَا
لَمْ تُسَلِّمْ إِلاَّ عَلَى كُلِّ مُندَسْ

تَهَبُ الطَّامِعِينَ خُبزَ الضَّحَايَا
وَالتَّشَهِّيْ مِنَ الفَرَاغَاتِ أَفلَسْ

تَبطِشُ البَطشَةَ الَّتِي يَتَّقِيهَا
حَارِسُ الرُّعبِ وَهوَ بِالرُّعبِ يُحرَسْ

خَلِّهَا لِلجَحِيمِ أَرضًا وَشَعبًا
لا تُعَوِّل عَلَى الكِيَانِ المُؤَبلَسْ

حَرَّمُوا خَيرَهَا عَلَيكَ، وَقَالُوا:
فَاتَكَ الحَظُّ، أَنتَ أَشقَى وَأَتعَسْ

يَخذُلُونَ المَلاكَ فِيهَا، وَيَنسَى
نَفسَهُ مَنْ بِمُقلَتَيهَا تَوَجَّسْ

وَاعتِبَاطًا يَستَعبِدُونَ البَرَايَا
بَينَ وَالٍ طَغَى وَوَالٍ تَغَطرَسْ

مُستَبِدُّونَ لا يُقِيمُونَ عَدلاً
مَنْ يَقُلْ كِلْمَةً عَنِ الظُّلمِ يُحبَسْ

لا يطِيقُونَ بَينَهُمْ ظِلَّ حُرٍّ
كَيفَ لَوْ قَامَ ثَائِرٌ أَوْ تَحَمَّسْ

هَمَجِيُّونَ مُستَفِزُّونَ جِدًّا
فَوضَوِيُّونَ فِي الزِّحَامِ المُسَيَّسْ

كَيفَ تُجدِيْ لَطَافَةُ الحِلْمِ عَنهُمْ!!
إِنَّهُمْ مِنْ شَرَاسَةِ الحِقدِ أَشرَسْ

مَا الَّذِي نَستَطِيعُ يَا رِيحُ!!.. عَفوًا
خَلَلٌ يَطمِسُ الحَنَايَا وَيُطمَسْ

ذَابَ فَصُّ اليَقِينِ.. ضَلُّوا كَثِيرًا
أَطلَسُ الدِّينِ رَهنُ أَعدَاءِ أَطلَسْ

وَالضَّلالاتُ كَفَّرَتْ كُلَّ فِكرٍ
لَمْ يَعُدْ فِي القُلُوبِ شَيءٌ مُقَدَّسْ

ثَروَةُ القِبلَتَينِ غَازٌ وَنفطٌ
وَدَعِيُّ السَّلامِ أَعمَى وَأَخرَسْ

وَالرَّوَابِي تَهَوَّدَتْ، وَالسَّوَاقِي
لا تُصَلِّي.. وَكُلُّ مَرعَى تَمَجَّسْ

ضَاقَ صَدرُ الجِهَاتِ لَيلاً بَهِيمًا
رَبِّ: لا صُبحَ فِي مَدَانَا تَنَفَّسْ

لا تَلُمنِيْ وَلا تَلُمْ جَهلَ شَعبِيْ
وَالتَّفَاهَاتُ فِيْ بِلادِيْ تُدَرَّسْ

تعليقات