“مدونة السلوك” الحوثية لا تحمل أية مفاجأة لأي مطلع على النصوص المؤسسة للجماعة: الملازم.
ان المدونة فقط خطوة أخرى في الطريق لإكمال تنزيل رؤى حسين الحوثي، الأكثر رعباً بمجملها، على أرض الواقع.
لنلقي هنا نظرة على ملزمة واحدة، كبداية سلسلة سأكتبها تباعاً من اليوم، ومن شأنها أن تقدم المفاتيح الكافية لفهم كل جديد صادمٍ تقدم عليه الجماعة.
ليس بإمكان الحوثي بناء دولة، ولا حتى الاقتراب من إنجاز أي كيان له علاقة بـ “الدولة”.
والسبب لا يكمن في فساد نوايا الجماعة مثلا بل لأن “الفكرة” الحوثية عن الدولة فكرة “فاسدة” من الأساس:
أولاً: الدولة في مفهوم الجماعة هي “الولاية”، وبينما الدولة منجز بشري هدفه الأدنى خدمة “الرعايا” وحمايتهم وحفظ حقوقهم، فإن الولاية تصميم إلهي لا علاقة للبشر به، إنها مسألة “تعبدية” محضة، مثلها تماما مثل الصلاة والصيام وبقية الفرائض التي تعبدّ الله البشر بها، وعليهم أن يؤدوها ” امتثالا” و”تسليما” دون أي تشكيك فيها أو أي سؤال عن مبررها.
إن الحاكم/ الولي/ أو علم الهدى حسب التسمية الرسمية للجماعة، هو شكل الدولة ومضمونها ومبتدؤها ومنتهاها، وهو “علمٌ” ملهم من الله ومؤيد به، ولا تجوز مساءلته أو الاقدام على أي تشكيك في قداسته.
(من هنا تأتي مدونة السلوك الوظيفي بالجزئية التي تجعل من عبد الملك الحوثي مرجعاً مقدسا لدى موظفي “الدولة” في نفس السياق مع مرجعية القرآن، والقرآن= الله)
ثانيا: مهمة الدولة/ الولاية، ليست مثلا إقامة “الشريعة الإسلامية”، كما هو الحال لدى كل حركات الإسلام السياسي، بل المهمة الأساسية “تمكين آل البيت” من حكم المسلمين، والعالم، تحقيقا لمراد الله.
يقدم حسين الحوثي في ملازمه تعريفا نهائيا للدولة التي يختار لها إسماً ثابتاً هو “ولاية الأمر”.
يقول مثلا في ملزمة “حديث الولاية” وهو يشرح حديث الغدير ولماذا يجب أن يكون ولاة الأمر من أولاد علي:
“مفهومنا عن ولاية الأمر هو وحده الذي يمكن أن يحصن الأمة عن أن يلي أمرها اليهود”
يضيف: “بل وإن الديمقراطية نفسها غير قادرة أن تحمينا من فرض ولاة أمرهم علينا لأن الديمقراطية أولاً هي صنيعتهم، وثانيا هي نظام هش ليس له معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة هذه الأمة”.
ويستطرد: “الديمقراطية تقوم على اعتبار المواطنة، وأمامك مواطن يهودي وسيكون الدستور، ان بقت هناك دساتير، بالشكل الذي لا يجعل هناك أي اعتبار لمعايير أو مقاييس مستمدة من دين هذه الأمة (..) وانما فقط يجب أن يكون من يلي أمر هذا الإقليم مواطنا حاصلا على البطاقة الشخصية وأن لا يكون قد صدر بحقه حكم مخل بالشرف، وأن لا يقل عمره عن اربعين عاما”.
“الديمقراطية نفسها لا تستطيع أن تحمينا من فرض ولاية أمرٍ يهودية. فقط ثقافة حديث الغدير، أكرر ثقافة حديث الغدير، فَهْمُ الشيعة، فَهْمُ أهل البيت لمعنى ولاية الأمر المستمد من القرآن، المستمد من حديث الولاية، ومن أحاديث أخرى متواترة عن رسول الله هو الكفيل بتحصين هذه الأمة حتى لا تقبل ولا تخنع لأولئك الذين يريدون أن يفرضوا عليها ولاية أمرهم”. (انتهى الاقتباس)
ومع أنه يبدو كمن يخلط بين مفهوم الدولة وبين طبيعة نظامها السياسي، إلا أنه ليس خلطا مرده الجهل بل هو التوحيد المقصود بين فكرة الدولة والولاية، عبر نفي كل شكل من أشكال مشاركة الناس في بناء دولتهم أو الشراكة فيها أو تمثيل انفسهم داخلها، وتثبيت الطريقة الوحيدة: الاختيار الإلهي لآل البيت،
في هذه النصوص، لا يحق لك كمواطن من غير اولاد علي ان تكون حاكما، ولكن مهلا انت لست “مواطنا” أصلاً. فالحو،،ثي المؤسس لا يعترف بشيء اسمه “وطن” ولذلك يستبدله بمفهوم “الإقليم” الذي هو جزء فقط من المملكة العالمية لأولاد علي.
يتبع..
كونوا بخير متابعي الاعزاء واعتذر عن التطويل؛ في المنشور وفي الغياب..
*من صفحة الكاتب في فيس بوك.