منبر حر لكل اليمنيين

قصيدة شذى (عكاز الروح ومئذنة الغناء)

إلى طائشة الهوى العدني .. إلى شذى

24

• الهامش
ــــــــــــ
على عشب رأسي
عصافير في الصوتِ تبني
مآذن للعشق …
تشدو بما فاض مني
من الليل والحزن
حتى تغيم المسافة بيني
وبين فؤادي القتيل

تطير قليلاً .. قليلاً
وتمحو سماءًا
– ولدنا على ركبتيها
حبيبين مختلفين في الحلم –
أسرارُنا

ترسم فيما تبقى من اللازورد المرصع بالبحر
طيفَ الفضول المعلق كالروح
صمتاً بنا
وتقفل
– كيما نصلي على بُعدِ قلبٍ من الشوقِ –
نوحَ الهواءِ الملون بالليلِ
والقُبلةِ العابرة.

لم نكن ناضِجَين تماماً
لكيما نُغَني وحيدَين، أحزانَنا
وكيما نتابع أسرابَنا
– في شتاءٍ سيأتي –
تُعدل أوراقنا بالجنون

لم نرتوِ من شرودِ الكلام عن الحبِ
حتى نُدّرب أصواتَنا
أن تطيل التمعن في التيه
أو تُنقص الريح باباً
سنُكمله طائرَين.

كُنا نحب ويكفي ..
أن نظلّ ضياءً نسوسن أيامَنا
كما يفعل الذاهبون إلى البحر

والبحر !!
قالت .. ملتقى العشاق ..

لكنّا ذهبنا خارج البحرِ المعدِّ لعشقِنا
نُلقي ما تقادم من عتاب البحر
للبحر المرتب كالمرايا في غناء الحالمات
بعشقهن وحلمهن

تُبرعمنا النوارس في ضفاف مسائِنا
حتى يفيض الصمت ..
تكسره بكعب حذائها،
وتقول:

للبحر
وجهٌ كاذبٌ كقصائد العشاق
لن نذهب إليه الآن
لن نصغي إلى ظلِ المغني فيه
إن شاخت على الظلِ الحمام.

وأقول :
لا حديث ضروري إذن سوف يسكنُنا
إذا ما فرشنا السماءَ لحافاً
لأحلامِنا

ولا مدن الدمع تقوى على حملِنا
في الطريق إلى حزنِنا
في ضفاف الهباء.

فلنؤجلْ أيامنا للضرورةِ
ونترك أشباهنا
في السفوح القريبة من مطلع الحزن
ينقشون تماثيلنا

ولنكتفِ بالخطيئةِ ، تغسلنا
من شجارِ قديمٍ على خلقِنا…

سنهوي إلينا
لنمكث في الريح صيفاً طويلاً
فقد نلتقي
لو تريد لنا الأرض أن نكتمل

قد نستعيد مزاميرنا
من أغانٍ ربيعيةٍ في زواج المحبين

قد نستدل علينا، بنا
كي نسير إلى لحظةٍ في المحطة
نرتب أحزاننا
ونعدل وفقاً لما تشتهيه (البوابير *) فينا
مواقيتنا

وصلنا إلى نقطة في جدار الحديث
تركنا مقاعد أشجاننا
تسير على هديها
وسلمنا للبحر قلبين .. فاضا دموعاً
وقلنا معاً: سنحمل هذا المكان
إلى بيتنا طائرَين.

أطلّت على أفقنا
سورةٌ من غناءِ النساء البعيداتِ
عن خيبة في الرجال
وأغمضنا في الخوف، وجهين
كانا يدلاننا في الرجوع إلينا

وقلنا:
سنُعدّ من الآن أشياءَنا
ونَمدّ عصا الشمس عمرين
كيما تغني المرايا
وندخل هذا الزمان جديرَينِ بالحب
سنحمله على ظلِنا
ونكمله باسمَين.

فقال لنا البحر:
لا تهتفا للدويِّ المنورس في الروح
ظلاً من الشوقْ
لا تنثرا
– على ساحلِ يفيض برملٍ
تساقط قبل الرجوع الأخير لحورية البحر ، ماءً –
شهد هذا العناق

لا تأنسا للرياح التي تنتقيها الطقوس القديمة
للعابرين مرايا الشذى

واكملا
– في غيومٍ تشَذّت حنيناً
قُبالة ذاك العناء المشتت في الحظ –
صورةً لارتداد الزمان.

إذن سوف نفترق الآن ، قالت …….
وامتلئنا بصمتٍ عليل.

•  النص
ــــــــــــ

هنا .. اكتملت مرايانا فلا تندبها ثانيةً
لا تصدقَ موجة الهذيان،
فربما .. تعلو أنينَك سورةُ النسيان
ربما
تخطو بأنفاسِ انقسامِك ، شجوَك الذاوي
وتنقر بالدموع عمامةَ البحر الكسير.
تقول لي ..

وتقول:
إن تغازلني على شبحي
فلا تنصت لأصوات الخيال تضج حيرتها
على إيقاع أنثى أنسمتها الريح
.
.
.    خذ مثلاً شذاك وسر به في البحر
حتى تلتقي بغيابها،
وتتيه مثل البحر

لا
لا تزوجني خيالَك
وارمني من شهقة الذكرى/
إلى الوجع الشريد
إلى المرايا
قد أرى نفسي هناك …

أقول:

سوف أتركني هنا
في فراغِ سيشهد عند اكتمال الزفاف،
جنائزنا
سأمزجني بباقي الرياح التي جمعتنا
وأطلقُني في خطوط التقاطع لـ الليل والقلب
ثم أصلي
وأُبعدُني في المدى
ثم أرفع هذا الضجيج إلى آخره:

خذي كل قلبي
ولا تقتليني إذا غادرتني العصافير
خائبة كالمديح

اقفلي
– قبل أن تنتهي موجةٌ من رثائي –
مواويلَ طيفي
ولا تسأليني!! أحبُّكِ ، أو لا أحبُّك!

هذا احتمال يزامل قلبي
ولا تشتهيه العصافير أن يرتمي في مدار الغياب.

وأني ، إذا ما أتيتُ التماع المساءِ الثقيل
لا أحب المتاهة تأتي
على مركبين / أنا أو أناكِ
لا أود إذا ما اشتهيتِ انتظاري
دوييِّ يسافر أبعد مني
أنا والرحيل خُلقنا نُزَف إلى بعضنا
وأنتِ خرقتِ الطبيعة فينا
وأنقَصْتِني مرتين.

لا تَعُدي الدموع التي أربكتني
ولا تبحثي
في غناءِ المحبين عن صورتي
وعما تقول السماء لعشاقها
ذاك ما تجتبيه المرايا
وأنا ..
لا أحبذ هذا الخلود.

لا تظني العيون التي أشفقت
في متاهِ المساء ستعلو الغياب
لا تذهبي – في أواخر قلبي –
إلى الليل
إن مسني بارقٌ من حنين

لا تظني كثيراً
أنا لا أحدّث طيفي
سوى في الطريق إلى نصف ظلي
ولا أقطف الماء من وردةٍ في شتاء العيون
.
.
وأهبط من ضجيج القلب
أصعد في ضجيج الروح
أهتف قربَ قلبكِ يا شذى..

كم مرةً فَرَدت جناحيها القصيدةُ
كي تردد
أن قلبكِ كامل التكوين
أنقى من أغاني الظلِ
أبيض من مرايا الثلج
أشهى من رحيق الشمس
أبهى من سماءِ الأنبياء…

كم مرةً
أيقظتِ في القرويّ صوت الناي!
مشيتِ في وطن النوارس
مثل حمامة الأشجانِ
ناصعة الفؤاد

كم مرة أبحرتِ سيدتي
وسيدة الخطايا كلها
من شرق أغنيتي إلى روحي
ورسمتِ للفقراءِ حلماً خائباً كالحبِ
فانتبذت أغانيهم عراء القلبِ
واشتعلتْ عويلا.

كم مرةً
عاد الفتى الريفيّ مبتهجاً بقلبكِ
حاملاً حزناً فقيراً من شذى

كم حياةً سوف يحيا بعد قلبكِ
والرياح تشده نحو البكاءِ الحرِ
في غرفِ السماء.

كم مرةً
ساءلتَ قلبكَ يا فتى
ماذا تبقى منكَ غير الدمع
تُوجعه على أنثى
يراودها بكاءكَ كي تنام لليلة أخرى
وتعيدها صمتاً إليك

ماذا تبقى منك غير سؤالِها
كيف استطعتِ الآن سيدتي
العلو إلى الغياب ولم تعودي
كي ينامُ على يديكِ لليلة أخرى
وتُكمله القصيدة؟.

وأهبط ثم أعلو
ثم أترك في يديها فيضَ أغنيتي
فترتفع المرايا في المرايا
ثم ينعس جفنها بالدمع ثانيةً
وتفتتحُ الغناء…

وترٌ أنا
لكن لحناً طائشاً في رقصة البدوي
أزمنني
ومدّ البحر سجاداً على صدري
فخِلتُكَ سيرتي
ونفختُ فيكَ مسرتي ضوءًا
وجئتُ الأبجدية من بدايتها
ألملمكَ انصهاراً
أو أسوسنكَ انتظارا.

وترٌ أنا
لكن أغنيتي التي صافحتَها
خَلَقَتْ رواقص في ظلالكَ
واستعاذت فيكَ من ماضٍ يؤرقها
وطافت في فراغكَ كلّه…

تعبت تريحنكَ اقتمارا
وبكتْ لتعلنكَ اكتمالا…

وأقول لي:

للعشاقِ إن مكثوا على نايِّ المرايا
سورة القلق المنورس
بامتلاء الليل بالنجوى
وشاح الصمت يرشق ظله المشروخ
بالحمى
صوت الرعشة النعسى بضحكتها
وفرحتها التي زَلّتْ
لتشهق في ضلوع البرقِ
حباً خافتاً كالقلبْ.

لهم مرايا الناي
أسئلة من الحسرات
تورق في عناقِ الليل والكلمات
قُبلة الأطلال إذ تمشي
إلى شبقِ المساءِ تؤرشف الصلوات
غيمٌ من أنين البحر
يركضُ في وجوه الواقفات على صداها
قمرٌ حديثُ العهدِ بالذكرى
وإيقاعٌ طري الحبِ
يصدأ في مزاج اللحنْ.

لهم أنت الذي سكنتكَ ثلجاً أخضراً
أصداءُ هذا الليل
ومركبتكَ على مهاد الضوءِ
أغنيةٌ لأنثى خلْخَلَتْ أحزانها بشجونها
وسَمَتْ تُعَدِّل في مفاتنها وجودك.

وترِنُّ أغنيةٌ على قُدّاسِ نهديها
ويزوى وجديَ الغاوي
– كشمع القلبِ –

تُغمض بوحها النشوى
وتُرمى بالشذى صلواتي الأولى
فتمشي في ظلال التيه
– نهراً مشمساً بالحزن –
صورتُها
وأبدأ في الغناء …

لا حبّ
أصغر من قصيدة شاعرٍ ثملى
يَزُمّ الحسن عينيها
ولا بحرٌ يجانب آية الفيروز
في صدأِ الفؤاد الرخو…
فالأشياء تنسخ صوتها ريحاً
على شفقِ التأملِ في عيونِ الماءِ
والذكرى تَشِبّ كأنها ولدتْ
على شمعٍ من العشبِ الممرجنِ بالشذى.

لا حبّ
يَنْهَد في فراغ الروح من أنثى
تُعَلِّم ليلها التقوى
ولا تروي لسكان القصيدة
سيرةَ القبلات أشجاناً تداعب (ساحل العشاق2)

لا حبّ
يبرق من عيونٍ في المدى اتشحت
بشرشفِ غيمِها
حتى تصكَّ حنينَها
حُزماً من النجوى
وتوغل في الغناء …

الليل كان مشاعلاً  للحزن
يُغمض لهفتي بالدمع

قلبي كان أغنيةً تَظَلَلَّ لحنُها
بنوافلٍ للخوف
شاختْ كالمرايا في مدى الجفنين…

الليل كان حنينيَ السريّ للنجوى
يُذَكِّر عاشقي بفتاتِهِ الأولى

قلبي كان ناياً أزرقاً
يغفو على خصلات شعري
ثم يصحو في البوارق كالشذى.

وجهي كان فخاراً يرتبني
مع أنقاض أنثى
أقمرتْ في الغيبِ أنثاها
يطير بي حتى يضيق الغيب من حلمي
ومن لغتي، ومن أرق الترابْ

وجهي كان قبراً غامضاً كالحبِّ
يحملني على رقعٍ من الإسلفت
كالشجنِ العجوز…

كان ظلاً دائخاً يرنو إلى وترٍ يموسقني
ويعزفني جنون..

نتوزع الأدوار ، لا أدري ،
ونقتسم الغناء
وأبكي كلما كتبت يمام الروح
صوتاً كالشذى
كلما طاوعته غنى
فأرفع صوت حزني عالياً
وأرجع للغناء …

البحر كان مقام قلبي في المدى
وقواربي كانت شذى
ينمو على خديها حسناً يوسفي
كانت تُصًدِّرني إلى أفقٍ سماويٍ لسيرتِها
وتخلُقني حنينا

كانت وفق معدلات الطقس في بحري تُعدلني
وتحميني من الإيقاع في صوتي
ومن ظلي ومني
كانت صوم أحداقي / صلاتي / معبدي /مُدني
نسائي كلهن / أنيني الليلي
وحيي .. في مناجاة السماء …

كانت شذى بحري المُعد لرحلتي الأولى إليّْ
صورتي الأولى على نقشٍ تطَرَّز في تلال القلب بي

صارت شذى صوتي المظلل بالبنفسجْ
قمري الذي ألَّفته حسناً خرافياً لإيماني
قَطَّرته – وفقاً لأمزجتي –
من أناجيل النساء العابرات قصائدي
كانت دبيب العشق في ليل الفتى الطيفي
محبرتي
هديل البحر
طائشة الهوى العدني
تصعد داخلي شمساً
فتعصمني من الأقدار
والبوح الذي نزفته آلهة  الفراغ.

صارت آية النسيان، تُقْرؤني
أنا المنسيُّ فيَّ وفي وجوه الأصدقاءِ
ســلامها الوطني

أحبكَّ .. أو أحبكَّ .. أو أحبكَّ
أيها الوطن الزجـــــاج

تتأرجح النايات أحياناً
وتَزْرَّق الوجوه ببسمةٍ عبرتْ نشيد الموت…
وقصيدتي تَصْفَّر أحياناً
ليولم من شذاها الرمـل
ورأيت فيما رأيتُ ..
أن البحرَ كان قصيدةً دَمَعَتْ على أنثى
هواها الشاعرُ
أن الريحَ كانت زفرةً ضَلَّتْ
بآهِ الشاعرِ
أن الأرضَ كانت عاشقة..
مُسِختْ بلعنةِ شاعر

*من ديوان النفخ في جذع السماء (مخطوط)
عدن 2008م.

تعليقات