تضييق الخناق على المواطنين واعتقالهم.. حرب ميليشيا الحوثي لمواجهة خطر الضربات الأمريكية عليها
مصطفى المخلافي
يبدو أن يمننا اليوم يتأرجح بين أَلَمٍ وأَمَل، فكلما غلَب ألمُه أملَه بكى، وكلما غلَب أملُه ألمَه حاول، حيث أن الحرية تُعد رمز مزدوج للحياة والموت، تعكس مجرياتها بعمق قسوة التأقلم وتحديات اليمنيون، لتروي قصصَ شعب عالق بين شاطئين: شاطئ الحياة الذي يجلب العواصف، وشاطئ الحرب والموت الذي يغري بالانتحار، إذا كان المصير هو السجن تحت سلطة ميليشيا قذرة اختصرت الوطن بتابوت ومساحات شاسعة من المقابر الخضراء الملونة بلون طائفي واحد ضحاياه أتباع مغيبين.
ولذلك فإن العاصمة المختطفة صنعاء في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي عليها، تبدو وكأنها تُمثل نصاً عميقاً يلتقط جوهر الصراع الإنساني مع قسوة الحياة في ظل سيطرة الميليشيا المتطرفة، تجتمع فيها رمزية الثورة والاستبداد، لتجسد المعاناة والأمل، ما يجعل المتابع يشعر بالتواصل مع آلامهم وآمالهم، وصنعاء في عهد الحوثي لا تعرض فقط الأحداث، بل تُقدم رؤية عميقة لمجتمع عاصر التحديات بكل انواعها وتعايش مع جميع الظروف، ليبقى السؤال حول إمكانية مدى قدرتهم على النجاة وهم يُجرون إلى سياج من الأسلاك الشائكة التي تعزلهم عن العالم الخارجي وتقدمهم قربان لحرب يقودها معتوه يقطن الكهوف.
لاشك في أن السياسات التي تفرض الصمت على مجتمع كامل حول موضوعات حساسة، تُمثل انتهاكاً صريحاً لحرية التعبير، وهي إشكالية ابتدعتها ميليشيا الحوثي، فما حدث يوم أمس الإثنين في العاصمة صنعاء يندرج ضمن إعادة تشكيل العقل المجتمعي وفق منهج الجماعة أو الحاكم باسم الله، وهي سياسة خبيثة تتقنها الجماعات الدينية المتطرفة في سبيل تحقيق الغاية وتحويل المجتمع إلى قطيع يأكل ويشرب ولا يتحدث، وأول هذه الخطوات تبدأ من توجيه تهم كيدية كما فعلت ميليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء يوم أمس الإثنين من شن حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات المدنيين موجهة لهم تهم كيدية تتعلق بالتخابر وتسريب معلومات لجهات خارجية، الهدف منها تطويع المجتمع واخضاعهِ لسياسة معينة تتوافق مع معايير الميليشيا ضمن هذا الإطار، حيث يعد هذا الأمر محاولة لإعادة طرح الأسئلة حول كم تبقي من الوقت لاجتثاث هذه الجماعة التي باتت مصدر تهديد للوحدة الوطنية وللاستقرار السياسي في اليمن والمنطقة.
ويؤكد هذا الإجراء على الاستنساخ الحوثي للأحداث التي اعقبت الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان، ما يعني بأن ميليشيا الحوثي الإرهابية تعيش حالة خوف من مصير مماثل لما حدث في لبنان، ولعل هذه الاعتقالات قد تكون مؤشراً على أن هنالك اختراق في الصفوف الأولى للميليشيا، قد تعيد رسم رقعة الشطرنج الجيوسياسية، مع ظهور المستفيدين ربما والخسائر الواضحة التي بدت وكأنها تسير نحو الهاوية، بالإضافة أيضاً إلى أن هذه التحركات التي شملت إغلاق مداخل العاصمة صنعاء الرئيسية، تشبه الاعتراف بأن هنالك اختراق داخل صفوف الجماعة، وتشير في جوهرها إلى أن ثمة خلاف تجذر في الآونة الأخيرة داخل الجماعة، أفضى إلى هذه الإجراءات، ” الاعتقالات، وإغلاق العاصمة، ومنع السفر لشخصيات سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وقبلية” خاصة عقب ما أُشيع عن اعتقال مسؤولي في مناصب عسكرية ارتبط اسمهم بتسريب معلومات عن مواقع عسكرية ومخازن أسلحة.
ووسط هذا الوضع الكارثي والمأزق الذي يحيط بالمشهد اليمني وبميليشيا الحوثي، يقع الأخير في حيرة ومحاولة اتباع مخرج مناسب له، خاصة بعد تزايد الضربات الأمريكية عليه في جميع مناطق سيطرته، ما قد يسعى إلى إجراءات تصدير الأزمة من حلقة إلى أخرى، بمعنى أوضح قد تلجأ الميليشيا الحوثية إلى تفجير الحرب في عدة مناطق من جبهات القتال، ليس لأنها في موقع قوة، بل لتخفيف الضغط عليها ووقف الضربات الأمريكية تحت مسمى الوضع الإنساني كما عودتنا الحرب اليمنية في السابق، خاصة وأن أغلب قادة ميليشيا الحوثي يعيشون حالة عزلة غير مسبوقة، بعد أن قاموا بتغيير أماكنهم وحراساتهم ونقلهم إلى أماكن سرية، ومنعهم من استخدام الانترنت خوفاً من تتبعهم واستهدافهم من قبل الطائرات الأمريكية.
ولذا نستطيع القول بأن ظروف الحروب التي كانت تقودها ميليشيا الحوثي قد تغيرت حالياً، واستنفذت الطائرات الأمريكية معظم قدراتها، وانخفضت عائداتها التي كانت تمول حربها بل وتعتمد عليها بشكل رئيسي، ولذا كان من الطبيعي أن تلجأ الميليشيا في حربها لمواجهة خطر الضربات الأمريكية على مواقعها إلى تضييق الخناق على الحريات العامة، واتهام مدنيين بالتخابر والعمالة، ومحاصرة العاصمة صنعاء عبر إغلاق مداخلها الرئيسية واستحداث لمزيد من نقاط التفتيش في أغلب شوارع العاصمة، وكذا في مديريات بني مطر وهمدان وسنحان.
ووسط هذا المشهد المظلم لا يبدو هنالك أي حلول بإمكانها معالجة مأزق الحوثي ولو بطرق جذرية، الأمر الذي جعل ميليشيا الحوثي تتخذ إجراءات تصعيدية بحق المدنيين، لترسل رسالة للعالم بأنها جماعة لا يمكن لها أن تتغير أو التعايش معها.