منبر حر لكل اليمنيين

(أُبَّهَــةُ الغَريبِ)

شعر/ يحيى الحمادي

0 Comments 25

سَفَــرٌ يُلِـحُّ.. وغُــربةٌ تَتَـغابَى
وغَـدٌ يريد مِن العَشِـيِّ جَوابا

سَفَــرٌ يُلِـحُّ.. وما لديكَ حَقِيبةٌ
تَسَـــعُ البِــلادَ، أَحِـبَّــةً وتـــرابا

ويَـدٌ تَصِيـــحُ:
(دَقِيقتانِ ويَنتهي زمنُ الوُقوفِ)
وتُغـلِقُ الأَبوابا

وتَغِـيبُ آلِهَــةُ الدُّخَــانِ، كأنها
زَبَـدٌ تَجَمَّـعَ كي يَذُوبَ.. وذَابا

وتَعودُ أَنتَ إلى انتِظارِكَ، حاملًا
قَلَـقَ اغتِرابكَ، جَيئـةً وذَهـابا

وتكادُ تَخنقكَ ابتِسامةُ ساخرٍ
أَمّـا العِتابُ فقد سَئِمتَ عِتابا

لِمَ لا يَعِـنُّ لكَ الرَّحِيلُ وقد غَدَا
كُلُّ الذين عَرَفتَـهُم أَغـرابا!

وَطَنُ ابنِ آدَمَ في حَقِيبةِ ظَهرِهِ
لا حَيثُ عاشَ مُغـرَّبـًا أَحقابا

أَتُـرِيدُ مِن وَطَنٍ يُكابِدُ ضِيقَـهُ
فَرَجًا لِضِيقِكَ أَنتَ، أَو تَرحابا؟!

هو مَوطِنٌ لولا الجِبالُ يُعِقـنَـهُ
لَرَمَـى البيوتَ، وزَاحَـمَ الرُّكّابا

وَطَنٌ يُريدُكَ أَن تَموتَ لِأَجلِـهِ
ويُريدُ منكَ على الحَنُوطِ حِسابا!

وتَخافُ كِلتا حالَتَيهِ، فتـارةً
مَلِـكًا يُـطِـلُّ.. وتــارةً نَصَّـابا

يَضَعُ اللُّصُوصَ على خَزائنِ مُلكِهِ
ويُحـــارِبُ الأُستاذَ والطُـلّابا

ويُحِبُّ مِن طُرُقِ المَحَبَّةِ صِيتَها
ومِن الحـقائـقِ نِصفَهـا الكَـذّابا

ويَذُوبُ لِلنُّطَـفِ الدَّخِيلةِ رِقّـةً
وعلى بَنِيــهِ يُمــارِسُ الإرهابا

وتَراهُ وهو على جَلالةِ قَدرِهِ
يَتسـوَّلُ الخُـدَّامَ والحُجَّــابا

وتَراهُ -إلَّا عن ثَراهُ- مُدافِعًا
وتَراكَ -إلّا في هَواهُ- مُثابا

وَطَنٌ كـأنَّ اللهَ قــال لِأَهلِـهِ
لا تَسكُنُوهُ.. فأَكـثَرُوا الإِنجابا

وكأنّ حَقَّ العَيشِ فيه جِنايةٌ
لا تَستَحِقُّ سِوى الشتاتِ عِقابا

فإلى متى سَتَظَلُّ تَطرقُ بابَـهُ
وتُـراوِدُ الشُّـرُفـاتِ والأَعتـابا!

وسِواكَ إِن لَمَـحَ الخَطِيئةَ ساجِدًا
قَطَـعَ الصَّلاةَ.. وأَحرَقَ المِحرابا

لا تَنتظِر فَرَجًا يَجـيءُ وأنتَ في
وَطنٍ يُفـرِّخُ ساسةً و”غَلابَى”

المُستَحيلُ أَقَـلُّ منه صعوبةً
والموتُ أرحَـمُ غربةً وعَذابا

*

طَرَحَ الرفاقُ جذورَهُم وتَغرّبوا
فعَلامَ أنتَ حَمَلتَ هذا الغابا!

لِأَسَاكَ أُبَّهَــةُ الغَريبِ، وأنتَ لا
سَفرًا بَلَغتَ، ولا استطعتَ إيابا

شجنًا بلا سَفَرٍ خُلِقتَ، فأَين يا
شَجنًا بلا سَفَرٍ تُريد ذهابا؟!

وحَمَامةً خُلِقَ الحَنِينُ، وليس في
وُسعِ الحمامةِ أن تَكونَ غُرابا

ما دام رزقَكَ في السماءِ فحَيثُما
وَلَّيتَ وَجهَكَ.. زادَكَ استِغرابا

غِب ما استطعتَ، فأنتَ لستَ مسافرًا
إلَّا إليكَ.. وغَـيِّرِ الأثوابا

يَمنيّةُ اليَمنيِّ تُثقِـلُ ظَهرَهُ
مهما مِن اليمنِ استراحَ وغابا

أفتَستَطيعُ وأَنتَ لستَ بصَخرةٍ
أن لا تكونَ -إذا أُصِيبَ- مُصابا!

أفتَستَطيعُ بغير عَينِكَ أن تَرى
شَفقًا يَغيبُ، ومنظرًا خلَّابا!

أفتَستَطيعُ إذا فَقَدتَ حَبيبةً
أن لا تَصِيرَ لِطَيفِها اصطِرلابا!

هي حِكمةُ الزمنِ الرَّدِيءِ، فَعادِها
ما دمتَ لستَ لِنارِها حَطّابا

وأَعِن يَدَيكَ على الصُّعودِ، فإنَّ مَن
خَشِيَ السقوطَ تَجَنَّبَ الأسبابا

وأَطِل شُرودَكَ، فالحَياةُ قصيرةٌ
لا يَستحـقُّ جِـدالُها الإسهـابا

وزِدِ ارتِيابَكَ، فاليَقينُ خُرافةٌ
والمَرءُ إِن بَلَـغَ اليَقينَ ارتابا

شرفٌ لِمثلِكَ أن يَموتَ مكافحًا
مِن أن يَعيشَ على الجراحِ ذبابا

وإذا شبابُك ضاع خلفَ قصيدةٍ
خَذَلَتكَ، فابكِ قصيدةً وشبابا

وكفى بحُزنِكَ أن يَزيدَ قصيدةً
وكفى القصائدَ أن تَصيرَ كِتابا

يَتغافَلُ الأَحبابُ عن أَوجاعِنا
وغَدًا نَموتُ لِنُوجِعَ الأحبابا.

تعليقات