منبر حر لكل اليمنيين

الاستثمار في الحرب.. مجلس القيادة الرئاسي لا يعمل

مصطفى المخلافي

0 Comments 74

يبدو أن الرهان الذي كانت تعول عليه الشرعية بات اليوم في متناول يديها، رهانها على الإدارة الأمريكية بالدرجة الأولى لتحرير اليمن من قبضة ميليشيا الحوثي، ولعل التحولات السياسية والعسكرية المتسارعة في الملف اليمني أظهر مدى ركاكة مجلس القيادة الرئاسي الذي بدا وكأنه متعثراً أو مكبل القدمين، خاصة وأننا نشهد عملية تحرك بطيء حيال الضربات الأمريكية على مواقع ومعاقل ميليشيا الحوثي الإرهابية، التي يفترض أن يقابلها تحرك حكومي على الأرض من قبل قوات الشرعية، ولو نظرنا لجوهر القضية اليمنية ومعاناة ملايين اليمنيين لوجدنا بأن هنالك تلاعب بالقواعد والثوابت الأساسية التي تخلت عنها الشرعية، وربما هذا التخلي من جعل الإدارة الأمريكية تقود حربها ضد ميليشيا الحوثي منفردة دون مراعاة للأعراف السياسية والدبلوماسية ولإتفاقيات التعاون المشترك المتعارف عليها دولياً.

ولا مجال هنا لسرد بعض التبريرات للدفاع عن منظومة فساد متكاملة عرضت البلد على مدار عشر سنوات للدمار وتركت الساحة لقرود طهران يعبثون بكل مقدرات الحياة، ولعل المواجهة والمكاشفة هما السبيل الوحيد الذي يساعدنا للخروج من الهاوية.

وقبل الحديث عن مشاكل الشرعية يجب تسليط الضوء على جانب مهم جداً في تركيبتها وربما في توجهاتها المتعددة إذا أردنا فعلاً مناقشة أهم نقاط الفشل وأسبابه، فالشرعية التي تحكمنا اليوم لا تملك رؤية موحدة لتحرير البلاد وربما هذا ما جعل اليوم الأمريكان ومن قبلهم الحلفاء الاقليميين يتصرفون بمفردهم في رسم شكل سير العملية السياسية والعسكرية ومستقبل اليمن، فكل نائب في مجلس القيادة الرئاسي لديه مشروع ورؤية مختلفة تماماً عن الآخر، ولعل خلفية بعض نواب مجلس القيادة الرئاسي كفيلة بشرح أسباب مانحن عليه اليوم، وبالتالي فإن هذه التوليفة الغير مرغوب بها والغير متناسقة مع الأسس الوطنية جعلت الجميع يتخلى عن المعركة الوطنية ويتصرفون مع هذا الملف الأكثر أهمية في المنطقة بطريقة لا ترقى لأهميتهُ وحساسيته، ولذا لابد من إيجاد حكومة يمنية تكون على قدر كبير من المسؤولية الملقاة على عاتقها، والأهم أن شخصياتها يجب ألا تكون من خلفية ذات طابع ديني أو عقائدي، ولا يجب أيضاً أن تكون شخصياتها من خارج دوائر المؤسسة العسكرية والسياسية كما هو حال أغلب مسؤولي الشرعية اليوم.

وحتى الآن لم تصل الشرعية إلى ذروة فاعليتها بعد أن استنفذت طاقتها القصوى في إنتاج نخب عقيمة غير قادرة على إخراج البلد من محنتها، بل تخطت ذلك وخطفت البلد إلى أزمات عديدة وتطورات وإجراءات كبرى تتعلق بسياستها الضعيفة التي جعلت من ميليشيا الحوثي تُمارس كل أساليب القمع والتنكيل والإرهاب الفكري والمجتمعي بحق ملايين اليمنيين.

وعبر التاريخ فإن الحروب الداخلية عادة ما تكون بين أطراف معروفة، لها مواقعها وحدودها وأماكن اشتباك خاصة بها، إلا أن الحرب في اليمن لها طابعها الخاص، فمنذُ انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية على السلطة في العام ٢٠١٤م ونحن نشاهد حرب من طرف واحد، ولم نشاهد الشرعية خاضت حرباً حقيقية على الأرض أو حررت شبراً واحداً من تحت قبضة ميليشيا الحوثي بل أنها ضحت بمحافطات ومناطق وبمديريات كانت تحت سيطرتها لصالح الميليشيا، وعلى إثر ذلك تشكلت جغرافيا حرب جديدة في مناطق عدة في اليمن، وتحولت مسارات كثيرة في هذه الحرب لصالح مخلفات الإمامة الرجعية المتخلفة، منها المفاوضات الغير عادلة التي كانت وسيلة حرب أخرى للميليشيا من أجل صناعة حروب وصراعات عديدة، ووسيلة أخرى لتصفير أزماتها مع الخارج.

ثمة حروب ضرورية يفرضها الواقع الجغرافي للبلد، وثمة حروب يفرضها التاريخ بغية تشكيل أنماط مختلفة من الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن الحرب في اليمن لم يفرضها الواقع الجغرافي إلا بعد أن هرولت الجماعات الدينية المتطرفة نحو أطماعها الدنيئة وتخلت عن قيمها ومبادئها مقابل حفنة من الريالات والدولارات، وهنا نستطيع القول بأن هنالك فرق شاسع بين الحروب التي فرضتها الدول، وبين الحروب التي فرضتها الجماعات الدينية المتطرفة، في الأولى تأخذ الحرب حيزها السياسي، والأخرى تقود عمامتها راية الحرب في سبيل الوصول للسلطة.

أخيراً:
لو تأملنا في هذه الحرب لوجدنا كيف امتد أثرها إلى كل بيت، وكيف استطاع أطراف الصراع جني الأرباح والمناصب منها، وكيف تحولت دماء الأبرياء إلى بورصة عمل يزيد أسهمها كلما زاد شلال الدم وتكدست الجثث على أرصفة الشوارع والمقابر، ولهذا تطورت الحرب في اليمن حتى أصبحت مهنة يزاولها كل من يسعى للكسب الرخيص.

تعليقات