منبر حر لكل اليمنيين

مَقتلُ أخي كَسرَ ظهرِي

مصطفى المخلافي

85

لم أكن أتخيل بأنه سيأتي يوم أقرأ فيه خبر مقتل أخي في السوشيال ميديا، كنت أقرأ كل يوم ومازلت أخبار مقتل عشرات اليمنيين على أيدي ميليشيا الساقط عبدالملك الحوثي ولم أتخيل للحظة بأن خبر مقتل أخي المغدور عبدالله المخلافي سيكون ضمن هذه الأخبار التي أطالعها كل يوم، ولا أعلم كيف طاوعتني نفسي لأكتب خبر مقتل أخي وكأنه خبر صحفي كالذي نكتبه كل يوم، أخي الذي لطالما كنت أقول بأنه لن يموت أبدأ، ها أنا أكتب لكم خبر مقتله، وللحظة مازلت أعيش تحت صدمة الخبر، صعب جداً أن تتقبل خبر مقتل أخاك الأكبر وأنت الذي كنت دائماً تقول بأن الموت لا يمكن يتجرأ عليه، أخي وحبيبي وروحي قتل كما قتل الآلاف من قبله في هذه الحرب الملعونة.

في صباح يوم الجمعة الماضي الموافق من ١٥/ مارس، صحوت من نومي وقلبي مقبوض، فتحت دردشات الواتس كعادتي لأقرأ ما تناولته المواقع من أخبار، رأيت عشرات الرسائل من أقاربي وإذا بي ألمح رسالة من والدي، تسجيل صوتي لا يتجاوز الثلاثين ثانيه، انتابني خوف شديد من سماع رسالته، شعرت بأن أمر ما حدث، سمعت الرسالة، بدا صوته شاحب وكأنه عاشر أوجاع الآف السنيين، بصوت يملئه الوجع والغُبن والثبات، قال لي: كيف حالك يا ولدي؟ الحمدلله على كل حال، أريدك أن تكون قوي وثابت، وصابر ومتجلد، أخوك عبدالله قتلوه الحوثة وأنا في طريقي له، صرخت بأعلى صوتي، أكذب الخبر، زوجتي بجانبي تسمرت لا تعلم ما الذي حدث ولماذا أصرخ، كسرت كل شئ كان بجانبي وأنا أقول عبدالله أخي مستحيل يموت، ممكن جوال والدي سُرق منه، وهناك من يحاول اخافتي، أسمع صوت والدي مرة أخرى، وأكذب الخبر، كان صوتي يملئ كل المكان، شعرت بأن قلبي سيتوقف، أرفض تصديق الخبر وأنا أردد بأن أخي مستحيل يموت، لم أكن أتخيل بأن الموت سيزور منزلنا، لم أتقبل فكرة أنني سأفقد في يوم من الأيام أحد إخوتي وبالأخص عبدالله، عبدالله الذي كنت كل ما أمشي بجانبه أشعر بأن الجميع يهابني، كان شجاع لدرجة لا يتصورها أحد، كان لا يهاب أحد، ولم يعرف الخوف قلبه البته، الجميع كان يحتمي به، وقف في وجه كبار القوم في تعز وغير تعز، حتى في أحداث فبراير، في مربع حي الروضة، قاوم وواجه ووقف معه المخلصون، إسألوا عنه في تعز المدينة وكيف يحظى بحب الناس، فور سماع الخبر، الكثير من أصدقاء أخي لم يصدقوا الخبر، أحدهم قال لي عبدالله لا يموت مثل هذه الموته، تأكد من الخبر، أعتقد بأن الخبر غير صحيح، اليوم الرابع لرحيل أخي ومازلت أُمني نفسي بأن الخبر غير صحيح، عيناي تورمت من البكاء عليه، شيء في داخلي يخبرني بأن أخي مازال حي يرزق، أتصلت بوالدي في ثاني يوم، سألته هل رأيته؟ قال نعم، أكرر هل رأيته ميت؟ بلا روح، يصرخ في وجهي قائلاً إثبت يا ولدي، أخوك مات الله يرحمه، هل تأكدت بأنه مات فعلاً أقول له؟ تأكد ربما مازال حي؟ وقبل أن يقفل الخط في وجهي يقول لي: إلى الآن أخوك مات، وعلينا أن نأخذ بحقه لكي يرقد بسلام.

ثمة وجع في داخلي يشتكي مني، وقفت أتأمل وجهي في المرآة، أراني بملاح لا تشبهني، ثمة تفاصيل في وجهي تشرح حجم الفقد والوجع والألم الذي سيلازمني ماتبقى لي من عُمر، أوجعونا يا الله، خطفوا منا روحنا وحياتنا وفرحتنا، فتحت عيناي على هذه الدنيا ولي أخ وصديق رافقني كظلي، شاركني كل شيء، شاركني اللحظات الحلوة منها والمُرة، كان أخي عبدالله الرفيق في جميع طموحاتي وأهدافي، كان معي في الحل والترحال، في اللعب والمرح والشجار، والبكاء والشكوى وفي أدق تفاصيل حياتي، واليوم أعيش مكسور الظهر ومغبون الروح والجسد.

في اليوم الأول والثاني من مقتل اخي لم أتمكن من الوصول لوالدتي، لا أحد يهتم لرنين الهاتف، الجميع في صدمة، وبيتنا يملئه البكاء والنحيب والزوار، حاولت أتصل لأطمئن على والدتي ولكني وجدتُ صعوبة في ذلك، يوم أمس طلبت تتحدث معي، كنت أقول بأن هذه أصعب مكالمة لي مع أمي، كيف سأتحدث معها، ماذا سأقول لها، وكيف أصبرها، أتصلت بها، قالت كيف حالك يا ولدي قلت لها وصوتي مخنوق أنا بخير يا قُرة عيني، صمتت، لدقيقة، قلت لها الحمدلله على كل حال، الله يرحمه، قالت لي وبثبات الجبال، هذا قضاء الله وقدره، وأخوك مات بطل، والحمدلله على ما أصابنا، انتبه لنفسك تقول لي، ولا تضعف ولا تبكي ادعي له بالرحمة، وقبل أن تُنهي الاتصال قالت لي أني اليوم يا ولدي أقوى من أي وقت مضى، كنت ما أنام أخاف أسمع خبر مقتله أو أعتقاله في الحوبان، برغم أني حاولت منعه من الذهاب لكن الحمدلله على ما اختاره الله، وما كان يقلق منامي حدث، المهم أن تنتبه لنفسك وكن قوي كما كان أخوك عبدالله، هنا شعرت بأنني من كنت أحتاج لمواساة وليس العكس، ربما لأني بعيد عن أخي، خاصة وأن آخر لقاء بيننا كان بعد استشهاد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح رحمة الله تغشاه وبعدها غادرت اليمن.

يقول ” هوكنج ” أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يفكر في الموت، كما أنه يتقبل موته وموت الآخرين على أنه شئ لا يمكن تجنبه، لقد كذب ” هوكنج ” فيما قال، وإذا كان هنالك من يتقبل موت أخيه على أنه مصير حتمي، فأنا ليس منهم وسأظل أرفض فكرة موت أخي إلى أن ألقى الله عز وجل.

وما دفعني حقيقة للكتابة هو لؤم بعض الزملاء والأصدقاء، الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر، وبدون الخوض في تفاصيل أكثر، فإنني أحب أن أوضح جانب يجهله هؤلاء المتطفلين، وهو أن أخي الشهيد البطل الذي سأظل أعتز به ما حييت، لم يكن يوماً خانعاً لميليشيا الحوثي القذرة، بل كان في خلاف دائم معهم، وحدثت اشتباكات عديدة بينه وبينهم، وكان دائماً ما يجد له مخرج عبر وسطاء ووجهاء مخلاف وشرعب، وقبل ثمانية أشهر تقريباً أطلق وابل من الرصاص على طقم حوثي وأصاب أحد العناصر وفر لتعز المدينة ومكث هناك.

عموما هناك أصوات شريفة من داخل تعز المدينة تنقل الحقيقة وتؤكد على أن الفقيد كان خصماً للميليشيا وقد خاض العام الماضي معركة ضد ميليشيا الحوثي في جبهة كلابة حين حاولت الميليشيا الحوثية التسلل لداخل المدينة وهناك رفقاء نضال وسلاح يشهدون له بذلك.

اليوم مازال جثمان أخي في ثلاجة الموتى في منطقة الحوبان، ووالدي يرفض دفنه إلا بعد أن يتم القصاص من القتله، فيما طلب والدي أن يتم سحب جثمان أخي إلى مستشفى في تعز المدينة في مناطق سيطرة الشرعية لكن الحوثة رفضوا ذلك ومصرين على أن يشيعوا هم جثمانه لكي يتاجروا بقضيته، لكن والدي رفض ذلك وأصر على أن يتم تشييع جثمانه ودفنه في تعز المدينة.

وإلى هذه اللحظة ما زالت قبائل مخلاف وشرعب تتوافد للحوبان بأسلحتهم للضغط على ميليشيا عبدالملك الحوثي لتسليم القتلة والقصاص منهم.

ورحم الله أخي الشهيد البطل الشجاع الذي قتل مغدرواً وهو يواجه أقذر جماعة عرفتها البشرية.

تعليقات