منبر حر لكل اليمنيين

لمحة عن الوضع القانوني لمجلس النواب اليمني وشرعيته

*إبراهيم الأهدل

10

يتساءل البعض عن مدى استمرار شرعية مجلس النواب اليمني في ظل استمرار عضوية اعضائه لأكثر من 21 عاماً، في سابقة جعلت منه البرلمان الأطول عمراً بين برلمانات الدول الديمقراطية، دون التجديد لإعضائه عبر الآلية الانتخابية المقررة دستورًا والمعمول بها شعبياً. وعليه فإن معرفة الوضع القانوني لمدى شرعية مجلس النواب القائم يستوجب الأمر تناوله من زاويتين :
الزاوية الأولى: معرفة النظام العام للمجلس قبل أحداث 2011 وما أعقبها.
الزاوية الثانية: الشرعية الحالية لمجلس النواب استنادًا للدستور اليمني النافذ والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وفيما يلي بيان ذلك:

أولاً : لمحة عن نظام المجلس وتشكيله واختصاصاته :

أخذ النظام الدستوري اليمني بنظام المجلس الواحد فيما يتعلق بتنظيم السلطة التشريعية ، حيث تنص المادة (62) من الدستور النافذ ، على أن : ” مجلس النواب هو السلطة التشريعية للدولة وهو الذي يقرر القوانين ويقر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة والحساب الختامي ، كما يمارس الرقابة على أعمال الهيئة التنفيذية على الوجه المبين في الدستور ” . ويلاحظ أن الدستور اليمني في تعديل 1994 قد استحدث مجلسًا استشاريًّا من ذوي الخبرات والكفاءات المتخصصة وجعله تابعًا لرئيس الجمهورية ، كما نصت على ذلك المادة (101) ( ) . كما أن تعديل 2001 حوَّل هذا المجلس إلى مجلس شورى وظل تابعًا لرئيس الجمهورية الذي يملك تعيين جميع أعضائه البالغ عددهم مائة وأحد عشر عضوًا ، وأهم ما أوردته المادة (125) من الدستور بخصوص اختصاصات مجلس الشورى هو ” .. اشتراكه مع مجلس النواب في تزكية المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية والمصادقة على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالدفاع والتحالف والصلح والسلم والحدود .. ” ، ولكنه لا يمارس سلطة التشريع فهو مجرد مجلس تكمن مهمته في إبداء الرأي فقط . ولا يمثل رقابة سابقة على مجلس النواب ، ولا يمكن القول بوجود برلمان مكون من مجلسين

ويتألف مجلس النواب من ثلاثمائة عضو وعضو واحد ، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع السري العام الحر المباشر ، ويشترط الدستور في المرشح لعضوية المجلس أن يكون يمنيًّا ، وألّا يقل سنه عن 25 عامًا وأن يكون مجيدًا للقراءة والكتابة ، وأن يكون مستقيم الخلق والسلوك ، مؤديًا للفرائض الدينية، وألّا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره ( ) .

ويشترط لصحة اجتماعات مجلس النواب كما نصت على ذلك المادة (72) من الدستور حضور اكثر من نصف اعضائه مع استبعاد الاعضاء الذين أُعلن خلو مقاعدهم وتصدر القرارات بالاغلبية المطلقة للاعضاء الحاضرين الا في الحالات التي يشترط فيها بموجب الدستور واللائحة الداخلية للمجلس اغلبية خاصة .

وقد حدد الدستور في المادة (65) منه مدة ولاية مجلس النواب بست سنوات ، تبدأ من تاريخ أول اجتماعٍ له ، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يومًا على الأقل ، إلا إذا تعذر ذلك لظروف قاهرة فيظل المجلس قائمًا يباشر سلطاته الدستورية حتى تزول تلك الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد ، وهو ما يعني أن مدة ولاية المجلس تختلف في ظل الظروف الاستثنائية عنها في ظل الظروف العادية ، فهي في ظل هذه الأخيرة تكون محددة بست سنوات بانقضائها تنتفي الشرعية عن المجلس ، أما في ظل الظروف الاستثنائية فإن انتهاء مدة ست سنوات لا يسقط الشرعية عن المجلس الذي يتوجب عليه أن يستمر في ممارسة اختصاصاته حتى تزول تلك الظروف كي لا تدخل الدولة في حالة فراغ دستوري ؛ وذلك استنادًا لشرعية الضرورة التي قررها المشرع الدستوري لمواجهة تلك الحالة .

وتتنوع اختصاصات مجلس النواب والمهام المنوطة به ، وفقًا للدستور ، ما بين اختصاصات تشريعية ، واختصاصات غير تشريعية ، وفيما يلي بيان لها :

( أ ) الاختصاصات التشريعية : وتتمثل في اقتراح وإقرار القوانين ، وإصدار لائحته الداخلية، وإقرار التشريعات المالية المتمثلة في إقرار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وإقرار الموازنة العامة للدولة والحساب الختامي ، وإنشاء الضرائب والرسوم ، والموافقة على القروض وعقود استغلال الموارد الطبيعية .

( ب ) الاختصاصات غير التشريعية :
وتتمثل في الوظيفة الرقابية ، حيث يمارس مجلس النواب الرقابة على أعمال الحكومة ، ويملك في سبيل أداء تلك الوظيفة وسائل متعددة ، تتمثل في حق السؤال وطرح موضوع عام للنقاش وتوجيه التوصيات للحكومة وتشكيل لجان خاصة لتقصي الحقائق في موضوع يتعارض مع المصلحة العامة ،أولإجراء الفحص على أحد الأنشطة التي تمارسها الحكومة ، عبر وزاراتها أو مؤسساتها العامة ، وإحالة الحكومة أو أحد أعضائها للتحقيق والمحاكمة ، ومناقشة برنامج الحكومة أو أي بيان عن سياساتها ، وتوجيه استجواب لها ، وأخيرًا تحريك المسئولية الوزارية وسحب الثقة من الحكومة . كما يمارس مجلس النواب وظيفة قضائية ، تتمثل بالفصل في صحة عضوية أعضائه . وتوجيه الإتهام بالخيانة العظمى لرئيس الدولة في حالة قيامه بخرق الدستور أو أي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد .

وتجدر الإشارة إلى أن الدستور قد منح هيئة رئاسة مجلس النواب اختصاصاً دستورياً يتمثل في تولي رئاسة البلاد بصفة مؤقتة ، وذلك في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً إما للوفاة أو الاستقاله أو العجز الدائم عن العمل أو في حالة اتهامهما بالخيانة العظمى . ( مادة 116 ، 128 من الدستور النافذ )

ثانياً : شرعية مجلس النواب في ظل الدستور اليمني النافذ وفي ظل المبادرة الخليجية ؟

يعتبر مجلس النواب هو السلطة التشريعية للدولة . وخلافًا للأثر الكبير الذي أحدثته المبادرة وآليتها على السلطة التنفيذية فيما يخص ولاية أعضائها واختصاصاتها ، فإن الأثر الذي أحدثته على مجلس النواب (البرلمان) كان محدودًا، إذ اقتصر على بعض اختصاصات المجلس المنوطة به، دون ولاية أعضائه. وفيما يلي بيان ذلك:

( أ) أثر المبادرة وآليتها على اختصاصات مجلس النواب :

لقد انحصر أثر المبادرة وآليتها على جزء من مهام مجلس النواب واختصاصاته المنوطة به في الفترة الانتقالية، فهي وإن أبقت للمجلس بشكل عام ممارسة مهامه واختصاصاته الاعتيادية المنصوص عليها في الدستور النافذ ـ والذي استمد بقاء نفاذه وسريان العمل به من الشرعية الثورية ـ إلا أنها أضافت إلى تلك المهام إصدار التشريعات اللازمة لتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالضمانات المتعهد بها في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية وعلى رأسها إصدار ما عُرف بقانون الحصانة ، كما جعلت من التوافق ـ لا الأغلبية المطلقة ـ آليةً لإصدار القوانين واتخاذ القرارات . وفيما يلي بيان ذلك :
1- إصدار قانون الحصانة :
أضافت المبادرة وآليتها اختصاصًا يضاف إلى اختصاصات ومهام مجلس النواب ، يتمثل ذلك الاختصاص بإصدار قانون الضمانة من الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس علي عبدالله صالح وكل من عملوا معه من المدنيين والعسكريين خلال فترة حكمه التي دامت 33 عامًا ، وذلك وفقًا للبند الثالث من المبادرة الخليجية والمادة (9) من آليتها التنفيذية . وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة قد أوجبت وجود الأعضاء الممثلين للمعارضة في مجلس النواب للمشاركة في إقرار ذلك القانون ، والذي يعرف “بقانون الحصانة ” .
2- التوافق لإصدار القوانين واتخاذ القرارات :
خلافًا لما نص عليه الدستور في المادة (72) من كون اعتماد إقرار القانون وإصداره من قبل مجلس النواب يكون بالأغلبية المطلقة لأصوات الحاضرين ـ إلا في الحالات التي يشترط فيها الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب أغلبية خاصة ـ فإن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قد ألغت تلك المادة وأحلت محلها المادة (8) من الآلية التنفيذية التي استبدلت التوافق بالأغلبية المطلقة المقررة لإصدار القوانين واتخاذ القرارات داخل المجلس ، والتي تنص على أن : ” يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب خلال المرحلتين الأولى والثانية بالتوافق ، وفي حال تعذر التوصل إلى توافق حول أي موضوع يقوم رئيس مجلس النواب برفع الأمر إلى نائب الرئيس في المرحلة الأولى وإلى الرئيس في المرحلة الثانية الذي يفصل في الأمر ويكون ما يقرره ملزمًا للطرفين ” . وقد أحسنت المبادرة وآليتها بانتهاج مبدأ التوافق خلال الفترة الانتقالية ، كون ذلك يعزز من الاستقرار السياسي الذي تتطلبه المرحلة ويخفف من حدة الصراع المشتعل ، إضافة إلى أن الحزب الحاكم ـ المثار عليه ـ يسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان ـ 238 مقعدًا من أصل 301 مقعد ـ وهو الأمر الذي يجعل للتوافق في اتخاذ القرارات أهميته في إشراك كل الأطياف السياسية وعدم إقصائها خصوصًا في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد وتحتاج فيها إلى لم الشمل . وتجنبًا للآثار السلبية التي قد تترتب في حالة عدم حصول التوافق بين أعضاء البرلمان ، فقد تنبهت المبادرة وآليتها لذلك ، وأوكلت أمر الفصل فيما لم يتم التوصل إلى توافق بشأنه، إلى الرجل الأول في الدولة ـ نائب رئيس الدولة في المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية أو رئيس الدولة في المرحلة الثانية ـ ، ورغم ما لهذا الحل من تعزيز لتدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية إلا إن المصلحة العليا للدولة اقتضت ذلك حسمًا للخلاف ومنعًا لتعطيل أعمال البرلمان .

( ب ) أثر المبادرة وآليتها على ولاية وعضوية أعضاء مجلس النواب :

لقد نصت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية – على فرض سريانها – على بقاء الدستور اليمني قائمًا ونافذًا، عدا النصوص الدستورية المتعارضة معها فقد حلت مكانها، باعتبارها تعديلاً دستوريًا لها ( وفقًا لرأي الباحث وله دراسة حول ذلك)، كما أشارت لذلك المادة الرابعة من الٱلية التنفيذية للمبادرة، بقولها: ” يحلُّ الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ، ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة ” , وبما أن نصوص المبادرة وآليتها لم تشر لا من قريب ولا بعيد إلى ما يتعلق بمسألة ولاية أعضاء مجلس النواب (البرلمان) ، فإن ذلك يعني إعمال أحكام الدستور النافذ فيما يتعلق بتلك المسألة .

وبالرجوع إلى أحكام المادة (65) من الدستور اليمني النافذ ـ وما جرى عليها من تعديل بالإضافة في العام 2009 ـ المتعلقة بمدة ولاية مجلس النواب ، يلاحظ أنها تنص على :
أ- ” مدة مجلس النواب ست سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له ، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يومًا على الأقل ، فإن تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائمًا ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد ” ،
ب – ” استثناءً من أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة تمتد مدة مجلس النواب الحالي سنتين شمسيتين ولمرة واحدة مراعاة للمصلحة الوطنية العليا ” .

يتبين من خلال نص المادة (65) بفقرتيها ( أ ، ب) أن مجموع مدة المجلس في ظل الظروف العادية هي 8 سنوات ، وطبقًا لذلك فإن مجلس النواب الحالي والذي تم انتخاب أعضائه في أبريل 2003 كان يفترض انتهاء ولايته عند انتخاب مجلس جديد في الانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل 2011 ، إلا أنه ومع اندلاع الاحتجاجات الشبابية في 11 فبراير 2011 ـ أي قبل الانتهاء المفترض لولاية مجلس النواب بحوالي شهرين ـ دخلت البلاد في ظروف قاهرة تعذر معها إجراء انتخابات برلمانية ، الأمر الذي أوجب على مجلس النواب الاستمرار في ممارسة اختصاصاته الدستورية . وهو ما يعني استمرار ولاية أعضاء المجلس ، إلى أن تزول تلك الظروف الاستثنائية ، كي لا تدخل الدولة في حالة فراغ دستوري ؛ وذلك استنادًا لشرعية الضرورة التي قررها الدستور لمواجهة تلك الحالة . ما يعني أن المبادرة وآليتها لم تؤثر على ولاية أعضاء السلطة التشريعية ( مجلس النواب)

. وذلك ما أشارت إليه المحكمة العليا في حكمها الصادر من الدائرة الدستورية برقم (2) وتاريخ 12 شعبان 1433 هـ الموافق 1/ 7 / 2012 م ، في القضية الدستورية رقم ( 2 ) لسنة 1433هـ ، حيث تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه قد تم في عام 2012 ، التقدم أمام بالدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بدعوى من قبل المدعية ابتسام محمد الحمدي ، تطلب فيها الحكم بانعدام أهلية مجلس النواب لممارسة وظائفه الدستورية ؛ وذلك لانتفاء المشروعية الدستورية عنه اعتبارًا من عام 2009 ، استنادًا إلى المادة (65) من الدستور ، ومحاكمة القوى السياسية التي أقدمت على خرق الدستور من خلال الاتفاق على تمديد ولاية المجلس التي انتهت ولايته ـ حسب ما ورد في دعواها . إلا أن المحكمة قد قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى والطلبات التي اشتملت عليها ، وقد عللت المحكمة لذلك في حيثيات حكمها ، حيث أشارت إلى أن الاتفاق بين القوى السياسية التي أشارت إليه المدعية لا يصلح لأن يكون محلًّا لدعوى دستورية فهو ليس تشريعًا ، وأن الخصومة في دعوى عدم الدستورية عينية توجه إلى نصٍّ مطعون عليه بعدم الدستورية توصلًّا إلى الحكم بعدم دستوريته ، وليست ساحة لتقرير ترتيبات سياسية أو حسم صراعات سياسية ، كما أشارت المحكمة إلى شرعية ولاية المجلس ، حيث ورد في حيثياتها ، ما يلي : ” … وما أشارت إليه المدعية تحت مسمى تمديد ولاية مجلس النواب خلافًا للمادة (65) من الدستور ، لم يكن تمديدًا لولاية المجلس دون وجود ظروف قاهرة ، وإنما كان تعديلًا دستوريًّا يستند إلى المادة (158) من الدستور ، أصدر به مجلس النواب قراره رقم (1) لعام 2009 المنشور في العدد التاسع من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 20 جمادى الأولى 1430هـ الموافق 15 مايو 2009م ، قضى بتعديل المادة (65) … وشتان بين التمديد للظروف القاهرة وتعديل مدة ولاية المجلس، ففي الأولى لا يحتاج الأمر إلى قرار وإنما يفرضه واقع الحال ولا تُعرف مدته مسبقًا ، أما الآخر فتعديل نص في الدستور وفقًا لنص المادة (158) من الدستور التي حددت إجراءات التعديل الدستوري ..” .

،، وخلاصة القول هي أن مجلس النواب لا زال يكتسب الشرعية الدستورية والقانونية حتى تنتهي الظروف القاهرة التي تمر بها البلاد وتستقر الأوضاع ، ومن ثم تتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة من قبل رئيس الجمهورية المنتخب انتخاباً حقيقياً من قِبَل الشعب وفقاً لنصوص الدستور النافذ ،،

والله الموفق ،،

*باحث دكتوراه في القانون الدستوري.
.

تعليقات