منبر حر لكل اليمنيين

إيران والخطر الآتي من تركيا

للكاتب حسن فحص

8

اتهام طهران لأنقرة بلعب دور سلبي في التطورات السورية لم يغب عن مواقف كبار المسؤولين في النظام

المسار الذي اتخذته التطورات الإقليمية ما بعد سقوط الأسد عززت الشعور والاعتقاد لدى القيادة الإيرانية، بأن الاستهداف أو النكسة التي أصيب بها المشروع الإقليمي لإيران لا يقتصر على إجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حدودها، بل يسعى إلى إحلال تركيا لتكون القوة الإقليمية البديلة لإيران في المنطقة.

كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع إحدى الفضائيات العربية عن الدور الإقليمي لإيران ومحاولاتها استخدام وتوظيف الحساسيات القومية والمذهبية والطائفية لبسط نفوذها وفرض هيمنتها ودورها، لا يمكن اعتباره موقفاً مستجداً أو كشفاً جديداً للوزير التركي، بل يمكن تصنيفه في خانة تصاعد حدة الخلافات التي بدأت تظهر على سطح العلاقة بين البلدين، والتباين في مواقفهما حيال ما يتعلق بالتطورات التي تشهدها منطقة غرب آسيا، والتي أخذت بعداً جديداً ما بعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 مع سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” المدعومة من أنقرة على العاصمة السورية دمشق، فالاتهام الإيراني للجار التركي بلعب دور سلبي في التطورات السورية لم يغب عن مواقف كبار المسؤولين في النظام، سواء المرشد الأعلى للنظام الذي أبدى حذراً في تسمية الحكومة التركية، مكتفياً بالإشارة إلى دولة إقليمية عند الحديث عن المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية على سوريا، وما يعنيه ذلك من استهداف للعمق الإستراتيجي لإيران بالقضاء على الحلقة الرئيسة في مشروعها الإقليمي، في حين كانت القيادات السياسية والعسكرية وحتى الصحافة المتحدثة باسم النظام أكثر وضوحاً في تسمية تركيا، واتهامها بالتآمر على إيران في سوريا، ولعلّ كلام كبير مستشاري المرشد علي أكبر ولايتي جاء معبراً عما ما لم يرغب المرشد في الحديث عنه.

والمسار الذي اتخذته التطورات الإقليمية ما بعد سقوط الأسد عزز الشعور والاعتقاد لدى القيادة الإيرانية بأن الاستهداف أو النكسة التي أصيب بها المشروع الإقليمي لإيران لا يقتصر على إجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حدودها، بل يسعى إلى إحلال تركيا لتكون القوة الإقليمية البديلة لإيران في المنطقة، وأن الأمور لن تقف عند هذه الحدود بل من المتوقع أن تتوسع وتشمل مناطق أخرى في غرب آسيا، تشكل مساحة اشتباك بين طهران وأنقرة.

وأمام هذه التطورات والمتغيرات كان من الصعب على النظام الإيراني التسليم بالمعادلات الجديدة أو الإحلال التركي على حساب الدور الإيراني في سوريا وامتداده إلى الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وبالتالي فُرض على إيران العمل على مسار آخر قد يساعد في كبح الطموحات التركية من خلال توظيف بعض المخاوف العربية حيال تنامي دور أنقرة كمشروع نفوذ إقليمي بديل على حساب المصالح العربية والإيرانية على حد سواء.

ومن هنا يمكن فهم التعاون الذي مارسه “حزب الله”، حليف إيران، على الساحة اللبنانية خلال تعاطيه مع استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية العماد جوزاف عون، ومن ثم لاحقاً في وصول رئيس الوزراء نواف سلام والتعاون لتسهيل مهمته في تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا التعاون ربما يشكّل رسالة إيرانية إلى السعودية للتعاون الإيجابي مع الرياض في التوصل إلى تسويات للأوضاع الإقليمية، وأن عودة النشاط للدبلوماسية السعودية، سواء على الساحة السورية والتعامل مع الوضع المستجد فيها، أو على الساحة اللبنانية والعودة لاحتضان لبنان، يسهم بصورة كبيرة في قطع الطريق على الطموحات التركية التي تسعى إلى أن تكون اللاعب الإقليمي الممسك بأوراق المنطقة على حساب اللاعب العربي، إضافة إلى ما يعنيه ذلك من استكمال حلقة إضعاف ومحاصرة الدور الإيراني.

الإصرار الإيراني على تعميق وتوسيع وتعزيز التعاون مع السعودية في الملفات الإقليمية، والإيجابية السعودية المعلنة في رفض أي تصعيد قد يتحول إلى عسكري بين طهران والولايات المتحدة الأميركية، لا يعني بالضرورة أن تتخلى إيران عن محاولاتها ترميم مواقعها على الساحة السورية، بخاصة أنها لم تتردد على لسان قيادات عسكرية من “حرس الثورة” بالكشف عن خططها للعودة لسوريا في ظل أي من السيناريوهات الثلاثة التي وضعتها لما ستكون عليه الأمور في سوريا الجديدة، إن كانت دولة موحدة أو مقسمة، أو الدخول في حال من التشرذم والصراعات الداخلية.

وقد تكون طموحات العودة الإيرانية لسوريا، وبالتالي إعادة ترميم أوراقها الإقليمية في إطار مساعيها إلى إعادة تعريف دورها وإستراتيجيتها في المنطقة، هي الدفاع في التصعيد الكلامي الذي صدر عن وزير الخارجية التركي الذي وصف السياسات الإيرانية في سوريا بأنها “سياسات خاطئة”، وأن سياسة دعم طرف داخلي في سوريا لزعزعة الاستقرار، وأن الأطراف الأخرى، في إشارة إلى تركيا التي تملك أيضاً أوراقاً وجماعات، يمكن أن تؤدي الدور نفسه في زعزعة الاستقرار الداخلي لإيران.

المواقف التصعيدية لأنقرة ووصف النظام الإيراني ببيت من زجاج وعليه ألا يرمي الآخرين بالحجارة، دفع الخارجية الإيرانية نحو اعتبار هذا الكلام بمثابة “الطعن في الظهر” من قبل التركي الذي انقلب على كل التفاهمات التي كانت قائمة بينه وبين طهران وكل” مسار أستانا”، وعلى رغم هذه المواقف وما فيها من تصعيد غير مسبوق لكن يبدو أنها لن تذهب إلى حدّ المواجهة والقطيعة، وبخاصة من الجانب الإيراني الذي يدرك حساسية وأهمية العلاقات التي تربطه بالدولة التركية على المستوى الاقتصادي وحتى السياسي الذي يمتد على مساحة منطقة غرب آسيا، فالظروف الحالية التي يمر بها النظام وحال الانكفاء التي يعيشها بعد خساراته في الشرق الأوسط تفرض عليه التريث والتروي في اعتماد أي مواقف تصعيدية مفتوحة على احتمالات سلبية مع أي من دول الجوار الإقليمي.

وإذا ما كان الانفتاح الإيراني على التعاون والإيجابية تجاه الجوار الخليجي، وتحديداً السعودي، فإنه في المقابل قد يكون مجبراً على التهدئة مع الجانب التركي الذي يملك كثيراً من الأوراق التي قد يستخدمها لخنق النظام اقتصادياً وحتى سياسياً، ويضعه في مواجهة متغيرات جيوسياسية لا تخدم مصالحه الإستراتيجية والجيو-اقتصادية في المستقبل.

وفي ظل الانتكاسة التي أصيبت بها المساعي الرسمية إلى إعادة الحرارة على خط التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة، والسقف المرتفع الذي وضعه المرشد أمام الحكومة برفض أي تفاوض في ظل الضغوط القصوى والعودة للعقوبات المشددة، فإنه يبدو أن طهران ستكون مجبرة على الاكتفاء بالمواقف الكلامية التي أعلنتها في الرد على كلام الوزير التركي، فالتصعيد المفتوح قد لا يكون في مصلحة إيران، وبخاصة إذا ما لجأت أنقرة إلى إعادة تفعيل مساعيها لإقامة “ممر زنكزور” البري الذي يربطها بدولة أذربيجان داخل الأراضي الأرمينية، والذي يفرض على إيران القبول بالتغييرات الجيوسياسية في منطقة القوقاز الجنوبي وخسارتها الطريق البري الذي يربطها بأوروبا، وهو خطر قد يفتح بين الطرفين “حرب ممرات” قد تسهم في تضييق الحصار على إيران خلال هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، فضلاً عن إمكان تخلي تركيا عن تقديم التسهيلات الاقتصادية لإيران التي تساعدها في الالتفاف على العقوبات الأميركية، إضافة إلى إمكان تراجع التبادلات التجارية التي تطمح بالوصول إلى مستوى 30 مليار دولار سنوياً.

كاتب وصحفي واعلامي لبناني

تعليقات