يبدو أنه أصبح لدي حساسية شديدة أشبه بطفح جلدي كلما لمست أو تذوقت شيئاً، أينما حللت ثمة سلطة ما تتربص بنفسها، قلت( سلطة ) لأن قوة السلطة تتمثل في غموضها وتداخلاتها الإقليمية والدولية العميقة، لكننا اليوم لا ندري أين تحوز سلطتنا لها مكان، صرت أخشى الحديث عن ضياع الفرص التي تهدرها الشرعية كلما جلست أمام التلفاز وأشاهد كل العالم يجرم جماعة الحوثي بتصينفها جماعة إرهابية، وكا العادة يقودني الحديث عن مدى استغلال أو بمعنى أصح عن مدى جاهزية الشرعية للتعامل مع هذا التوجه الدولي الذي أجمع على أن الحوثيين جماعة إرهابية، ليفتح المجال أمام الحكومة الشرعية للقيام بواجباتها وفقاً لهذا التصنيف الأمريكي والدولي.
لكن اللافت للأمر بأن الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي سارعوا للترحيب بهذه الخطوة وأبدوا استعدادهم للتعامل مع هذا التصنيف وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، لكن الترحيب والخطابات وحدها لا تكفي، خاصة وأن المعضلة دائماً ما تتعلق بتراخي موقف الشرعية تجاه الدعم الدولي لها، إذ أنه لا ينبغي لمجلس القيادة الرئاسي أن يقتصر دوره لمجرد استعادة بعض من الجغرافيا اليمنية وتوسيع مناطق سيطرته فحسب، فالأهم كما ينادي اليمنييون ويطالبون هو استعادة العاصمة صنعاء وكامل التراب الوطني، وتكريس نموذج عمل عسكري منظم يقوم من خلاله بتحرير كامل المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، وهذا بالطبع لا يمكن تحقيقه في ظل وجود مجموعات مسلحة تستمد مشروعيتها من السلاح الذي بحوزتها ومن خدمتها لأجندات دول أخرى، ثم ما الذي سيُرضي اليمنيين بنصر غير مكتمل الأركان؟ سوى النصر الوطني النابع من قيم ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر والثاني والعشرون من مايو المجيد.
وعلى الرغم من المخاوف والاحتمالات السلبية التي دائماً ما عودتنا عليها الشرعية، إلا أنه يمكن وضع بعض النقاط التي تُفيد من وجهة نظري، في التخفيف من واقع السلبيات وأحياناً الكوارث المتوقعة، فالرئاسي لا يكتفي بالتماهي مع مصالح الخارج فحسب، بل يساهم في وضع ما يعتقد أنه يشكل مخارج ممكنة والتي ما تضعنا دائماً في دائرة التبلد والفراغ، ولذا ينبغي من الرئاسي الخروج من التبعية المطلقة للخارج والتمركز خلف الأهداف الوطنية الخالصة، وإنهاء مظاهر الضعف وأماكن الفشل الذي دائماً ما يظهر فيه، لأن عدم استغلال هذا التوجه الدولي ضد ميليشيا الحوثي الإرهابية سينعكس سلباً ليس على اليمنيين فحسب وإنما على الشرعية برمتها التي ستكون أمام محاكمة شعبية حقيقية في حال أهدرت هذه الفرصة كسابقها ولم تحسن استغلالها بشكل صحيح، وأن يتخلى عن رسائل التطمين المبتذلة لما يُسمى ” رفع الجاهزية ” التي تؤدي مفعولاً عكسياً لمفهوم الجاهزية العسكرية، بل يجب التخلي عن هذا النهج كله الذي يبدأ بهذه الرسائل، وتطبيق ذلك على أرض الواقع وفرض القوة فعلياً على الأرض لاجتثاث الطاعون الحوثي الذي ينخر داخل المجتمع اليمني.
لعل الجميع يُدرك خطورة هذا التصنيف بالنسبة لميليشيا الحوثي الذي يتضمن قرارات هامة أهمها: حظر السويفت عن البنوك في العاصمة صنعاء والذي سيشكل ضربة قاضية للشريان الاقتصادي للميليشيا، مما قد يدفع ميليشيا الحوثي بالرد على هذا الأمر، وقد بدأت فعلاً بحشد قواتها بكثافة باتجاه مأرب في خطوة يعتقد بأنها خطوة استباقية لتعويض خسائرها جراء هذا التصنيف الذي يشمل تجفيف كل مصادر الدخل لها، وبإعتقادي بأن الحوثي يجد نفسه مرغماً على خوض معركة مأرب ليس لتعويض الخسائر فحسب، بل للتفاوض من جديد مع المجتمع الدولي من قاعدة القوة الأكثر انتشاراً وسيطرة، وهذا إن حدث فسيعد تحجيم وجود الفاعلين الإقليمين وأيضا الشرعية، ما قد يفتح باب للتساؤل عن أدوار الشرعية ولمصلحة من تعمل، خاصة وإن ساد هذا الخيار بلون وطيف طائفي واحد.
والسؤال هنا ماذا بعد ترحيب الشرعية بقرار التصنيف وما هي الخطوة الجادة أو القادمة لتفادي سيناريو سقوط مأرب بأيدي ميليشيا الحوثي، وما هي البدائل المتاحة أو المطروحة أمام الشرعية للبدء في عملية عسكرية شاملة تبدأ من جميع الجبهات ولا تنتهي إلا في العاصمة صنعاء، بإعتقادي بأن الشرعية أمامها الكثير لفعله، خاصة إذا ما نظرنا للدعم الكبير الذي تحظى به من قبل المجتمع الدولي، وقد رأينا كيف تبخرت تنظيمات عديدة خلال السنوات الماضية في سوريا وليبيا والعراق مع كل إجماع دولي على مواجهتها وضربها، ونأمل أن يتكرر ذلك في اليمن وأن تكبر الشرعية بحجم اليمن والمصلحة العامة وتتخلى عن العيش على الجيف والتوهان الذي لم نحصد منه سوى مزيد من فقدان الأمل ومزيد من قتل الروح المعنوية بقلوب ملايين اليمنيين.