من غرائب هذا الزمن وما يصعب تخيله في هذا الوطن، ولكنه وارد بكل تجلياته في جامعة صنعاء، والتي تعد كارثة حقيقية من العيار الثقيل، برزت على السطح بشكل يثير السخرية والجدل في أوساط اليمنيين، فلا حديث اليوم إلا عن هذه الكارثة العلمية، والتي تتجلى بوضوح في حدوث سرقة علمية لنيل شهادة عليا بدرجة ” ماجستير” وهي سابقة في التاريخ، حيث كانت تصلنا أخبار عن سرقة لشهادات علمية من جامعة صنعاء لقيادات حوثية، وكنا نستبعد أن يحدث هذا في صفوف الأطر العليا خاصة لنيل شهادة الماجستير، لأن مثل هذه الشهادات لا ينالها سوى أهل العلم والمعرفة والكفاءات العليا والتجربة الطويلة في الدراسة والبحث والتمحيص.
مناسبة هذا الكلام هو ما يتعلق بفضيحة علمية موطنها جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، حيث تقدم القيادي الحوثي مهدي المشاط ببحث مسروق لنيل شهادة الماجستير، وهو أمر تحول لسخرية في الشارع اليمني والعربي، خاصة وأن المشاط لا يملك حتى شهادة ميلاد، ولم يسبق له وأن دخل مدرسة تمهيدية، وفجأة نجده يحصل على الماجستير من أعرق الجامعات في اليمن.
بلا شك بأن سرقة الرسائل العلمية كانت وما زالت سبباً من أسباب انهيار سمعة الكثير من الجامعات في اليمن، لأنها جريمة مخلة بالشرف، فهل هناك أعظم من الأمانة العلمية التي تقع على عاتق من منحوا المشاط شهادة الماجستير؟ لقد تحولت جامعة صنعاء وباقي الجامعات في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية إلى أسواق شعبية يُباع فيها ويُشترى شهادات عليا، ولعل حصول القيادي الحوثي مهدي المشاط على شهادة الماجستير كفيل بأن يشرح المأساة التي تعرض لها التعليم في اليمن في عهد الكهنوت الرجعي المتخلف.
ذهب المشاط في جهلهِ وتخلفه إلى سرقة شهادة الماجستير وهو يُدرك بأنه من الصعب حصولهِ على شهادة ابتدائية، ولم يكتفي بسرقة الشهادة فحسب، بل حول القصر الجمهوري إلى قاعة جامعية لاستلام ومناقشة رسالة الماجستير المسروقة، في ظاهرة تعد الأغرب في العالم، كثير من الشخصيات العقائدية والسياسية من بعد ٢٠١١م. حصلت على شهادات الدكتوراه والماجستير في السنوات الأخيرة، وهذه مسألة جديرة بالانتباه، لأنها نابعة من صراع بين الجهل المركب والعلم داخل هذه المكونات والجماعات المؤدلجة، ناهيك عن أن أغلب من حصلوا على هذه الشهادات كثير ما يخطئون في الإملاء ويجدون صعوبة في نطق اللغة العربية بشكل صحيح.
لكن اللافت في هذا الأمر هي الشهادات التي تقدمها جامعة صنعاء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، والتي خضعت لتعريف جديد بما يخدم أجندة الحوثي وأفكاره ومشروعه المتطرف، ليعاد تعريف دورها ووظيفتها وتوجهاتها من جديد، بالرغم من أنها تعد من أقدم وأعرق الجامعات اليمنية التي أخرجت لنا نوابغ على مستوى الوطن العربي.
ويا ليت الأمر وقف عند حد السرقات العلمية لقيادات حوثية بل تجده قد انحدر إلى تزوير الشهادات الجامعية من الماجستير والليسانس والدكتوراه، وقد استمعت مؤخراً إلى شهادة أحد الدكاترة في جامعة صنعاء وشرح لي كيف يتم منح الشهادات الجامعية لقيادات حوثية نافذة ولأبنائهم وأقربائهم، حتى أن الأمر وصل إلى أن أغلب القيادات الحوثية منحت أبنائهم شهادات عليا من جامعة صنعاء وسافروا بها إلى دول عديدة بمنح على حساب سلطة القمع الحوثية، الأمر الذي جعل من مسألة الحصول على شهادة جامعية قد يبدو محل شك وريب لكثير من المواطنين اليمنيين، بعد أن قامت ميليشيا الحوثي بالاضرار بسمعة الجامعات والشهادات الجامعية التي أصبحت تمنح بلا حساب لكل جهلة الميليشيا.
كثير من الأطروحات التي تتحدث عن أدلجة التعليم في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي تعكس الهيمنة الأيديولوجية الحوثية ليس على التعليم فحسب، بل حتى على الشهادات العلمية التي تسطوا عليها الجماعة وجعلتها حكراً عليها، وغرض الميليشيا من هذا الأمر هو اسباغ صفة الأكاديمية على شخصياتها ومشروعها الطائفي الذي دائماً ما يتعارض مع التعليم والفكر المتعدل، وبالرغم من هذا إلا أن ما تسعى إليه ميليشيا الحوثي لن يطوي صفحة صراعها مع التعليم والتحضر الذي مازالت الميليشيا تعيش في واقعه حتى يومنا هذا.
كان لابد من قادة ميليشيا الحوثي أن يعززوا مكانتهم بشهادات عليا، ليزيحوا عنهم عقدة النقص التي تلاحقهم، خاصة وأنهم معروفين لدى المجتمع اليمني والعربي بأنهم دخلاء على التعليم وجهلة هذا العصر، فما كان منهم إلا أن يقوموا بسرقة وتزوير الشهادات بهذا الشكل الفاضح ليتخلصوا من عقدة النقص التي ستظل تلاحقهم ما حيوا.
لقد أمن المشاط العقاب وهو يترأس الجانب السياسي للميليشيا الحوثية، فأساء الأدب وأرسل بحثهِ المسروق للجنة الترقية التي منحتة فوراً درجة الماجستير، رغم علمهم بأنه لا يحمل أي مؤهل اعدادي أو ثانوي، وبهذا تتكون لدى المشاط عقدة مزدوجة تجاه منهم أعلى منه في الترتيب العلمي والإداري، ثم أن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: ما حاجة المشاط وقيادات الحوثي إلى شهادات عليا لن تفيدهم في أي ترقية وظيفية؟ وهم من يتحكمون اليوم بموارد البلاد وينهبونها ويسيطرون على الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة؟ والجواب هو إعطاء لأنفسهم طابع أكاديمي يعتقدون أنه سيمنحهم فرص قبول في المرحلة المقبلة التي يعتقدون بأنهم سيكونون جزءاً منها.
وحقيقة لم يكن المشاط وحدهُ من القيادات الحوثية من تم منحهُ شهادة عليا، فقد سبقتهُ قيادات حوثية كثيرة، على رأس هذه القيادات أحمد حامد والجرموزي وأبو علي الحاكم وعبدالكريم الحوثي وغيرهم من القيادات الحوثية التي تفننت في سرقة كل شيء كان آخرها شهادة الماجستير من جامعة صنعاء لتخدم رغبة الجماعة في التمكن من أدوات السلطة، وهي حصيلة طبيعية لاستعمال القوة الناعمة التي تسعى إليها الجماعة لتحسين صورتها في الداخل والخارج.