( ١٠- سوق الملح ) .
– طالما اشتهرت مدينة صنعاء القديمة ، التى كانت محطة أساسية على طريق التوابل بين عدن ومكة ، الذى حل محل طريق ” اللبان ” شرقى اليمن ، والمشهور منذ عصور ماقبل الميلاد ، اشتهرت بأسواقها . ويعد سوق صنعاء من أبرز الملامح التقليدية لمدينة صنعاء القديمة ، فهو من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام . ومما ساهم في تنشيط حركة السوق ورواج تجارته موقع مدينة صنعاء على طريق القوافل التي كانت تحضر أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام ، إضافة إلى كونه يقع على طريق الحجيج بعد الإسلام ، فازدادت أهميته لذلك نجد له وصفاً عند الاخباريين فى القرن الخامس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي ، في كتاب تاريخ صنعاء للرازي ، حيث ذكر وجود ٢٣ سوقاً .
– وكان موعد السوق بعد الانتهاء من سوق عدن ، فكان العرب يأتونه بعد فراغهم من سوق عدن ، ويستمر من منتصف شهر رمضان حتى أواخره ، ويأتيه التجار بالقطن والزعفران والأصباغ وغيرها ، مما لا يوجد في السوق ، ويشترون منه ما يريدون من البز ” القماش ” والحرير وغيرها ، مما هو موجود في السوق . ولم تكن الحركة التجارية متروكة لهوى أصحابها ، بل كان هناك قانون خاص يحدد الصورة التي يمكن التعامل بها في أسواق صنعاء ، وأقدم قانون عُثر عليه يعود إلى سنة ١١٦١ هجرية ، صدر في عهد الإمام ” القاسم عبد الله بن المتوكل أحمد ” . وقد شمل جميع أنواع التجارة والحرف الرفيعة وغيرها من بيع وشراء ونقل وحمالة وأجورها ، إلى جانب تحديد معدلات الربح والمكاييل والمقاييس والعقاب والثواب .
– وفي عام ١٧٦٣م ، زار المستشرق الألمانى نيبور سوق صنعاء ووصف أزقته المتخصصة في بيع مختلف البضائع والمواد ، واستطاع أن يحصي أكثر من عشرين نوعاً من العنب . وذكر عالم الانثروبولوجيا والتر دوستال في كتابه ” سوق صنعاء ” الذي صدر عام ١٩٧٩م ، بأن خطة السوق الحالية هي نتيجة تغيرات بنائية ومكانية عبر التاريخ وتعكس تلبيته للحاجات المستحدثة ، وأنه كان يوجد بسوق بصنعاء حتى عام ١٩٧٤م تسعة وأربعون سوقاً ، وتسع وعشرون سمسرة ونزلاً للإقامة .
– ويعد سوق المِلْح أشهر أسواق صنعاء القديمة وأقدمها ، واشتُهر بهذا الاسم كونه السوق الرئيسية للتوابل والبهارات ، غير أن المؤرخ أبو محمد أبو الحسن الهمداني أورد في كتابه ” الإكليل ” سببا آخر للتسمية بأنه في الأصل سوق المُلَح ” بضم الميم وفتح اللام ” ، أي انه سوق كل ما هو جميل ومليح وحُصِّفَت التسمية لاحقا وصارت سوق المِلْح ” بكسر الميم وسكون اللام ” .
– إلى جانب ذلك ، هناك حاليا ٤٨ سوقا متخصصا فى صنعاء القديمة تضم أكثر من ١٧٠٠ محلا تجاريا . ولكل حرفة أو بضاعة هامة سوق خاص بها ، فهناك سوق البز أو القماش ، وسوق الحرير ، سوق المبساطة أى الملابس القديمة ، سوق اللقمة ، سوق الخريف ” الفواكه ” ، سوق العنب ، سوق الزبيب ، سوق القات ، سوق النحاس ، سوق الجنابى ” الخناجر ” ، سوق العسوب ” الأغمدة ” ، سوق النظارة ، سوق المخلاص ، سوق الجديد ، سوق الخياطة ، سوق الكوافى ” الأغطية ” ، سوق الحنة ، سوق المصاون ” البراقع والأقنعة ” ، سوق العطارة ، سوق الجص ” الجبس ” ، وغيرها .
– ويظل سوق صنعاء حريصا على كثير من معالمه التاريخية وتكويناته الخاصة ، منفصلا بضوضائه عن هدوء وخصوصية الأحياء السكنية ، وهو يحتفظ مثل كثير من أسواق المدن العربية الإسلامية العريقة ، ببعض حماماته القديمة ، مثل : حمام السلطان ، حمام شكر ، حمام الطواشى ، حمام الميدان ، حمام الجلاء ، و حمام المتوكل ، وكذلك سمسراته أو خاناته السلطانية ، والتى تعد مركز تجميع البضائع ، وتجمع القوافل والتجار .
– وكان لهذه السمسرات قانون يعرف ب ” قانون مدينة صنعاء ” وهو مجموعة من الضوابط والقواعد المتعلقة بأسواق صنعاء ، وهى تختص بالأسعار ، الأجور ، معايير الرقابة والجودة ، وتنظيم جماعات الحرف المتخصصة ، ومسؤولية العقال والمشايخ ، وضوابط الأمن والحماية ، وكذلك نظام شرطة خاص للحراسة برئاسة ” شيخ الليل ” يضمن أمن السوق ومنطقته ليلا.
– وتجرى فى هذه السمسرات عمليات التخزين والبيع والشراء والتبادل التجارى ، وبعضها كان يقوم بدور البنوك كتبادل وحفظ العملات الفضية والذهبية والنقود ، وبعضها كانت نزلا تقدم خدماتها للمسافرين والتجار ودوابهم وأمتعتهم ، فيما تخصصت بعض السمسرات فى تجارة سلع معينة مثل البن اليمنى المشهور ، الزبيب ، اللوز البلدى طيب الطعم .
* المرجع : مصادر متعددة .