منبر حر لكل اليمنيين

تخلي مجلس القيادة الرئاسي عن دورهِ الوطني تجاه القضية اليمنية ساهم في غياب النصر واستعادة الدولة

مصطفى المخلافي

21

لا شك أن هناك صعوبة بالغة في الكتابة عن أماكن الفشل الذي دائماً ما يقع به مجلس القيادة الرئاسي، وأيضاً صعوبة في تقديم رؤية متماسكة عن مدى تجاوز الرئاسي لهذا الفشل الضارب في عمق كل مؤسسات ومفاصل الشرعية، ولذلك لا يُستبعد التفاعل الإيجابي مع ما نكتب في مثل هذه اللحظات، حيث يكون الاستقطاب حاداً والتصنيفات جاهزة، فيما التفكير والتدبر مؤجلان أو مكروهان، فقد ينظر لنقدنا على أنه نوع من أنواع إفساد الرأي أو تحامل على الشرعية التي لم تستطيع أن تُدير نفسها بالشكل الذي يتناسب مع حجم التحديات، وعلى ضوء هذه المحاذير المفهومة، أنطلق في كتابتي هنا من قناعتي الشخصية بأن النقد لا يفعل شيئاً يُذكر في الحصيلة مقارنةً مع ما يفعله أصحاب القرار والفاعلون على الأرض من حيث حجم الضرر الذي أضر بحياة ومصالح ملايين اليمنيين.

هناك نقطتان مهمتان من المفيد ذكرهما على سبيل التمهيد أيضاً، تتمثل بضرورة التمييز بين التحليل السياسي وبين النقد عن واقع يعيشهُ ملايين اليمنيين منذُ تسليم الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح للسلطة حتى يومنا هذا، فالتحليل السياسي ينبغي له أن يكون قدر المستطاع موضوعياً ورصيناً وأحياناً خيالياً لا يُشخص الحالة بقدر ما يُضيف لها مساحيق تجميل، أما النقد فهو تسليط الضوء على أماكن المرض والخلل الذي ينبغي إصلاحه وأهميته كي لا يفقد المجتمع وظيفته لتوجيه الفشلة نحو المسار الصحيح.

وللعودة لمحور حديثي فقد كان متوقعاً بعد القضاء على ميليشيا حزب الله وإيران في لبنان، أن يكون هنالك إجتثاث أو عمل لتقليص الوجود الإيراني وأدواتها في اليمن بقيادة مجلس القيادة الرئاسي، لكن الأمر بدا وكأنه أقرب للتسليم والمهادنة، وتداعت لمخيلتنا صور مشاهد هشاشة الخطوط والجهات العسكرية للشرعية التي لم يُعد يُهمها صورتها المتدنية في الشارع اليمني وأمام العالم، ولا مشاهد القتل وسفك الدماء في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، بقدر ما يهمها كيف تستثمر الكذب وعقاراتها وبيع الوهم واختيار ربطات العنق الملونة بلون الدم اليمني.

إن عدم التحرك العسكري لتحرير العاصمة صنعاء والقضاء على ميليشيا الحوثي من قبل الرئاسي لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان متوقعاً حدوثه، وهذا أخطر ما في الأمر، ما يعني أن الجهات السياسية والعسكرية لدى الشرعية كانت غائبة عن الحدث في المنطقة ولا تعرف عنه شيئاً، وليس لديهم أي معلومات عنه، ولا عن مداه وغاياتهِ وأبعاده، وكل ما متوفر لديهم تحليلات بأن الغرب من سيأتي لهم بالنصر، ولذلك لم يحسنوا استغلال الحدث كما كان البعض مترقب، ولم يكونوا على قدر كبير من المسؤولية والجاهزية والثقة لدى المجتمع الدولي والحلفاء، وهذا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الحرب في اليمن وخلق فرص حياة جديدة للميليشيا الحوثية.

إن الحديث عن إضاعة الفرص من قبل مجلس القيادة الرئاسي يطول، وربما يكونوا أنفسهم قد ذهبوا في منحى أبعد ما يُقال عنه كارثي، ولذا من السهل، على الأقل حالياً، بالنسبة إلى جميع الأطراف، تحديد الأهداف النهائية للتحرك العسكري، فنحن اليوم أمام حدث متحرك تتغير فيه معطيات الميدان، والجغرافيا والسياسات، والمواقف الدولية والصفقات بسرعة تصعب مجاراتها، وأي تأخير ربما سيعقد من مجريات الأحداث في اليمن.

بعد القضاء على ميليشيا إيران في لبنان وانهيار نظام الأسد، كان لافتاً الانهيار النفسي لميليشيا الحوثي وداعميه، وعجز إيران عن مساعدة أدواتها في المنطقة واليمن، ما أوحى للجميع بأن الدور قادم على ميليشيا الحوثي، وكنا نعتقد بأن صمت مجلس القيادة الرئاسي عن الأحداث في لبنان وسوريا، لانشغالهم في الترتيبات والتجهيزات العسكرية لدخول العاصمة صنعاء وإعلان بيان النصر من داخل دار الرئاسة كما جرت الأمور في سوريا ولبنان، وما حدث هو أن الرئاسي لم يكن معني مطلقاً بالمتغيرات في المنطقة، ولم يكن لديه الوعي الكافي لحشد التحالفات المحلية والإقليمية والعمل الجاد لاستعادة زخم العملية العسكرية خاصة وأن العالم كان في ذروة نشوتهِ للقضاء على ميليشيا الحوثي التي ذهبت لعسكرة البحر الأحمر واستهداف مصالح العالم وتهديد الملاحة الدولية.

اليوم نجد مجلس القيادة الرئاسي يقف في الهواء، لا سيما من الناحية السياسية، بعد تفويت فرصة اللحاق بركب لبنان وسوريا، ولا أعتقد بأنه يملك الوسائل اللازمة للاستمرار، فعدا عن الضعف السياسي، هناك اضمحلال ملموس داخل مجلس القيادة، حتى في المناطق التي يسيطر عليها، وهناك التدهور الاقتصادي والفساد والمحسوبية والنقص في الرجال والكفاءات، ومن هنا جاء الفشل ليضرب سرديتهِ حول عدم قدرة الشرعية على ضبط الأمور، وفي الحصيلة أصبحت الخيارات أمامها ضيقة جداً، ومع كل هذا انهارت معنويات المواطنين لا سيما مناوئي ميليشيا الحوثي.

وإذا كان الرئاسي لا يملك قرار تحريك موظف كما يقول ويبرر البعض، فعليه إذاً مغادرة المشهد حفاظاً على القضية اليمنية وصوناً للكرامة، عدا ذلك يُعد هروب من المسؤولية وجُبن في المواقف والاستحقاقات التي تستدعي الوقوف لجانب اليمن وقضيتهِ العادلة.

تعليقات