من على هامش الاجتماع الذي جمع قادة بعض الأحزاب السياسية اليمنية في بروكسل،امس يمكننا ملاحظة كيف تحولت هذه اللقاءات إلى مهزلة جديدة تضاف إلى سلسلة الفشل السياسي الذي يشهده اليمن على جميع الأصعدة.
في صورة من اليمين إلى اليسار، حضر هذا اللقاء كل من عبدالرحمن السقاف، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، وعبدالله أبو حورية، الأمين العام المساعد للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بالإضافة إلى عبدالرزاق الهجري، القائم بأعمال الأمين العام لحزب الإصلاح، وعبدالله نعمان، أمين عام الحزب الناصري، وعبدالوهاب معوضة، رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام. هؤلاء القادة الذين قادوا أحزابهم إلى قاع الانقسامات الداخلية، بدلاً من العمل على ترميم الجسور بين القوى السياسية في اليمن، ذهبوا ليتناقشوا مع قيادات الاتحاد الأوروبي حول سبل تطوير العلاقات بين اليمن وأوروبا.اي والله.
لكن لعل هذا التنقل الدبلوماسي لم يكن سوى محاولة أخرى للتغطية على ضعف الأداء السياسي في الداخل اليمني، حيث تصارع الأحزاب على الفتات السياسي بينما يغرق البلد في أزمات لا حصر لها.
إن الخروج إلى بروكسل في هذا الوقت بالذات له دلالات عديدة، أبرزها أن هؤلاء القادة، ومن معهم، قد ضاعوا في حساباتهم السياسية حتى صاروا يتبنون مهمة تبدو وكأنها لا تتجاوز مجرد محاولة للظهور بمظهر السياسيين المتطلعين نحو “الشرعية الدولية”، في وقت لا يستطيع فيه أي منهم أن يواجه استحقاقات الداخل اليمني. كيف يمكن لأولئك الذين فشلوا في ترتيب أوراقهم السياسية الداخلية، أن يقدموا حلولا لعلاقات دولية معقدة؟ كيف يمكن لحزب سياسي ضعيف في الداخل أن يفاوض أو يبحث في علاقات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي؟
ليس هذا فقط، بل إن اللقاء في بروكسل جاء في وقت تسود فيه أجواء من التوتر والفرقة في الساحة السياسية اليمنية. فكيف يمكن لقيادات سياسية تضع يدها في يد بعضها البعض في الخارج، بينما تستمر في شن الحروب الكلامية والخصومات السياسية في الداخل؟ إن هذه اللقاءات هي مجرد فقاعة إعلامية، ومحاولة لتجميل صورة قادة انتهازيين فشلوا في إدارة شؤون وطنهم بشكل حقيقي وفعال.
والأمر الأكثر إيلاما هو أن هؤلاء القادة لا يواجهون، على ما يبدو، أي نوع من النقد الذاتي أو المحاسبة. بل إنهم بدلا من ذلك، يتبجحون ويستعرضون في الخارج كأنهم يمارسون سياسة جدية، في وقت يتجاهلون فيه التحديات الأساسية والفساد داخل أحزابهم والمشاكل التي يعاني منها المواطن اليمني.
نعم ، هل هؤلاء القادة يدركون ما الذي يعانيه الشعب اليمني من قهر وفقر ودمار؟ هل لهم أي خطة استراتيجية لمواجهة التحديات التي يمر بها الوطن؟ يبدو أن الإجابة هي لا. كل ما لديهم هو المحاصصات الحزبية والمصالح الشخصية، واستلام مئات الآلاف من العملات الأجنبية من عدة دول.. فيما أصبح همّهم الوحيد هو كيفية تقسيم الثروات والموارد في وقت تتدفق فيه المساعدات الدولية بشكل عشوائي، دون أي آليات واضحة لصرفها.
وفي الوقت الذي يتنقل فيه هؤلاء القادة بين العواصم الأوروبية، يبقى الشعب اليمني في الداخل يعاني من أزمة خانقة، لا نرى أي جهود حقيقية من قبل هذه الأحزاب لمعالجتها. نعم، يمكن أن تكون هناك حاجة للتواصل مع المجتمع الدولي، ولكن ماذا عن بناء الثقة بين الأحزاب اليمنية نفسها؟ ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة أن يبدأوا بالعمل على تعزيز وحدتهم وتوحيد جهودهم في مواجهة التحديات الداخلية قبل أن يتجهوا إلى الخارج؟
حقيقة إنهم بحاجة ماسة إلى مواجهة واقعهم الداخلي، والتركيز على تقديم حلول عملية للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب اليمني. بدلاً من أن يكونوا مجرد أدوات لخدمة مصالحهم الشخصية، عليهم أن يتعاملوا مع مسؤولياتهم الحقيقية كقادة سياسيين في مرحلة حرجة من تاريخ اليمن.
خلاصة القول، إن ما يحدث في بروكسل اليوم هو مجرد مسرحية سياسية تهدف إلى تجميل صورة الأحزاب السياسية اليمنية في الخارج، بينما الحقيقة في الداخل تقول شيئا مختلفا.لذا يجب على هذه الأحزاب أن تتحلى بالشجاعة لمواجهة نفسها أولا، وأن تبني أساسا قويا للوحدة الوطنية قبل أن تركز على القضايا الدولية.