رحل عن عالمنا اليوم، في لحظة مؤلمة، الناقد الأدبي والأديب السوري البارز، الدكتور وهب رومية، الذي كانت سيرته المهنية تزخر بالإنجازات الأكاديمية والأدبية الرفيعة. ولعل رحيله يذكرنا بمسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز، وبعلاقة متميزة كان قد نسجها مع العديد من البلدان العربية، ومن بينها اليمن التي كان لها مكانة خاصة في قلبه وعقله. توفي عن عمر يناهز الواحد والثمانين عاما، تاركا وراءه منجزا ثقافيا مهما، ليس فقط في مجال الدراسات الأدبية، بل في مجال العلاقات الثقافية بين البلدان العربية.
وُلد الدكتور وهب احمد رومية في مدينة اللاذقية السورية عام 1944، وكرس حياته لخدمة اللغة العربية وآدابها. بدأ مشواره الأكاديمي في كلية الآداب بجامعة دمشق، ليواصل دراساته العليا في مصر حيث حصل على درجة الماجستير بامتياز في الأدب العربي من جامعة القاهرة عام 1974. وبعد سنوات من العمل الأكاديمي والدراسات المتعمقة، حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب القديم عام 1977 بمرتبة الشرف الأولى. وقد تولى عدة مناصب مرموقة، أبرزها رئاسة قسم اللغة العربية في جامعة صنعاء، في فترة كان فيها الدكتور عبد العزيز المقالح رئيسا للجامعة، وهو المنصب الذي شكل بداية علاقة متينة بينه وبين اليمن وشعبها.
في الحقيقة تأثر الدكتور رومية بشكل كبير بالثقافة اليمنية التي كانت ملهمة له، وأعرب دائما عن اعتزازه العميق بها وبأهلها، اذ كان يجد في اليمن جمالا خاصا، بل هو كعاشق لليمن ليس فقط في معالمها الطبيعية ولكن أيضا في ثراء تاريخها الثقافي والأدبي. في إحدى مقالاته، أشار إلى ما وصفه بتراث اليمن اللامحدود من الشعر والفكر، وأكد على أهمية دور الأدب اليمني في صوغ الهوية الثقافية العربية. لم يكن ذلك مجرد مدح، بل كان شهادة حية على تأثره بتجربة العيش والعمل بين أروقة جامعة صنعاء الاولى في اليمن.
ومن المواقف التي تظل راسخة في ذاكرة العديد من الأكاديميين والمثقفين في اليمن، الصورة النادرة التي نشرها وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان. كانت الصورة تُظهر الدكتور رومية في منتصف التسعينيات وهو يقف على أحد سطوح صنعاء القديمة. يومها، كان الدكتور رومية يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في جامعة صنعاء، وفي قلبه شغف لا يُضاهى بتاريخ اليمن وثقافته. كان لحظات كهذه، حيث يتأمل في صنعاء العتيقة، تُمثّل لحظات تبادل الثقافة بين العرب في أسمى صورها.
بل لقد كانت علاقة الدكتور رومية مع اليمن علاقة مهنية وإنسانية بامتياز. ففي الوقت الذي ارتبط فيه اسمه بالأدب العربي القديم، كانت له بصمات واضحة في مساعدة الأكاديميين والشباب اليمنيين على اكتشاف معاني الأدب والتاريخ والثقافة العربية من خلال أدبيات متنوعة وأبحاث علمية حديثة. إذ لم يكن الدكتور وهب رومية مجرد أستاذ أكاديمي، بل كان بمثابة شعلة ضوء ثقافي بين الازمنة.
كما شارك الدكتور رومية في العديد من المشاريع الثقافية العربية، وكان له دور بارز في تقييم الأعمال الأدبية في العديد من المجلات العربية الثقافية المحكمة. فلقد عمل باحثا محكما في مجلات متخصصة مثل “سلسلة عالم المعرفة” الكويتية، و”مجلة الدراسات العربية والإسلامية” الإماراتية، و”مجلة بحوث جامعة حلب”، وهو ما يعكس مكانته المرموقة في العالم العربي.
وفي الوقت الذي كانت فيه منطقة الشرق الأوسط تعيش تحديات ثقافية وتاريخية، لم يتوقف الدكتور رومية عن نشر رسالة ثقافية تجمع بين الإحياء والتجديد في الأدب العربي. إذ لم تقتصر أبحاثه على تحليل الشعر العربي القديم فحسب، بل قدم إضاءات جديدة حول كيفية التجديد في النقد الأدبي العربي المعاصر.
إضافة إلى أعماله البحثية المتميزة، التي تضمنت مؤلفات كالـ “الرحلة في القصيدة الجاهلية” و”شعرنا القديم والنقد الجديد”، كان له دور بارز في إثراء مجمع اللغة العربية في دمشق. وكان عضوا في هذا المجمع حيث أضاف إلى أبحاثه العلمية مساهمات قيّمة في تطوير اللغة العربية والنقد الأدبي.
والشاهد أن عالم اللغه العربيه الجليل الدكتور وهب رومية ترك في اليمن أبرز ما يميزه في ذاكرة الثقافة العربية. كان دائما يُبدي احترامه العميق لليمن وتقاليده الأدبية، ويعتبره “محركا موضوعيا ” في منظومة الثقافة العربية التي تعيش في قلبه.
فكلما مر الزمان، كانت الكلمات التي وصف بها الدكتور رومية اليمن تتردد في أذهاننا، وبخاصة تلك الكلمات التي كتبها عن ثقافة اليمن التي لا يمكن أن تذبل أو تُمحى.
على أن الخسارة كبيرة برحيل الدكتور وهب رومية فهو ليس مجرد فقدٍ أكاديمي، بل هو خسارة ثقافية تمتد عبر الأجيال.
والعزاء أن ما تركه من بصمات في الأدب العربي، وحبه العميق لليمن، سيظل في وجداننا كجزء من التاريخ الثقافي اليمني الذي لا يُنسى.