في تاريخ الأمم والشعوب، تظل بعض الأحداث شاهدة على حقبة من الانهيار الأخلاقي والسياسي الذي يدفع أثمانه الوطن بأسره. جريمة تفجير جامع دار الرئاسة في الثالث من يونيو 2011 كانت واحدة من أكثر اللحظات السوداوية في تاريخ اليمن الحديث. لم تكن مجرد محاولة لاغتيال رئيس الدولة وكبار قادتها، بل كانت إعلانًا صريحًا عن استباحة القانون، وانحدار القيم الوطنية إلى مستويات خطيرة، فتحت أبواب الفوضى والإرهاب على مصراعيها.
منذ وقوع تلك الجريمة البشعة، ورغم إدانتها الواضحة في المحافل الدولية وقرارات مجلس الأمن، كان صمت بعض الأطراف السياسية، وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، مثيرًا للريبة. هذا الصمت، الذي تحول في بعض الأحيان إلى تبرير غير مباشر أو تشويه لضحايا الجريمة، يضع الحزب أمام سؤال محوري: هل يملك الشجاعة لمواجهة الحقيقة؟
إن السكوت عن الجرائم الإرهابية، أو الالتفاف عليها بحجج واهية، ليس فقط خيانة لدماء الضحايا بل هو تهديد مباشر لاستقرار الوطن. المصالحة الوطنية التي يدّعيها البعض لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب العدالة أو محاولات طمس الجرائم الكبرى، خاصة تلك التي كانت سببًا رئيسيًا في انهيار الدولة وتمزق النسيج الاجتماعي.
إن تحقيق العدالة في جريمة دار الرئاسة ليس مجرد مطلب أخلاقي، بل هو ضرورة لبناء دولة القانون التي ينشدها كل يمني. لا يمكن أن ننشد المصالحة الوطنية بينما تقف هذه الجريمة الإرهابية كحاجز نفسي وسياسي أمام أي محاولة لإعادة اللحمة الوطنية.
على حزب الإصلاح، كأحد الأطراف الرئيسية في المشهد السياسي، أن يبرهن على جديته في المشاركة ببناء الوطن، من خلال:
*1. إعلان موقف واضح وصريح يدين الجريمة ويبرأ من منفذيها.*
*2. الاعتراف بأن الإرهاب لا مكان له في العمل السياسي، وأن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تُغلف بشعارات ثورية أو حزبية.*
*3. التعاون مع الجهات الوطنية والدولية لضمان محاسبة المتورطين بشكل عادل وشفاف.*
*رسالة إلى دعاة الإرهاب والتبرير*
التفاخر بارتكاب جريمة إرهابية أو محاولة شرعنتها تحت أي مسمى، كما فعل البعض في تصريحاتهم الأخيرة، لا يعبر سوى عن فكر مظلم يتغذى على الحقد والفوضى. هؤلاء لا يدركون أن كلماتهم لا تخدم سوى أعداء الوطن الذين يسعون لتقسيمه وتمزيقه.
وهنا لا يمكن التغاضي عن تصريحات المدعو يحي الثلايا، التي تعكس مستوىً مخيفًا من الانحدار الفكري والأخلاقي. بدلًا من الوقوف في صف العدالة وحق الضحايا، اختار الثلايا الاصطفاف خلف الإرهاب، مشيدًا بجريمة دار الرئاسة بشكل يوحي بتطبيع الفعل الإرهابي وإعادة إنتاجه. هذا النهج لا يعبر سوى عن خيانة صريحة للقيم الوطنية والإنسانية، وعن فكر لا يرى في العدالة سوى تهديد لمصالحه الضيقة.
على الثلايا وكل من يسير على نهجه أن يدركوا أن التاريخ لا ينسى، وأن تطبيع الجريمة لن يُخرجهم من دائرة الاتهام، بل سيعمق إدانتهم في عيون الشعب اليمني والتاريخ.
*اليمن أكبر من الإرهاب*
هذا الوطن الذي أنهكته الحروب والمؤامرات بحاجة إلى مواقف شجاعة تُعلي من قيم العدالة والوطنية. الشعب اليمني لن يغفر لمن يحاول طمس الحقائق أو التستر على الجناة. كما أن المستقبل لن يُبنى إلا على أسس واضحة من المصالحة الحقيقية، التي تبدأ بالاعتراف بالجرائم ومحاسبة مرتكبيها.