منبر حر لكل اليمنيين

الإرهاب في رأس الهيئة العامة للكتاب

مصطفى المخلافي

66

يبدو أن ساحات فوضى فبراير انتجت لنا إلى الوجود كتاب رأي من طينة خاصة، يوقَّعون كتاباتهم بألقاب علمية، ويجعلون فيها من احتقار واستخفاف لدماء الشهداء الذين استشهدوا في الجريمة الإرهابية الآثمة في جامع النهدين موضوعهم المفضل الداعي لمزيد من العنف والإرهاب، وهم في ذلك يتوسلون بمفاهيم يستعيرونها من علم النفس المَرضي أحياناً، ومن سوسيولوجيا الانحراف أحياناً أخرى، فالنخب التي انتجتها الساحات بمختلف أشكالها إنما هي جنوح وانحراف جماعي، تُحركها غريزة القطيع، وتتحكم بها الأهواء والنزوات والانفعالات الشاذة وأحياناً العواطف الرخوية، علماً أن الوعي المتدني للقطيع الذي خرج للساحات لا يختلف في شيء عن الثور الهائج، فهم جموع بلا عقل، يتمادون في غيهم كلما اشتد عليهم الوجع.

من أراد مثالاً لمسيرة كرة الجليد منذُ ولادتها جسماً صغيراً، مروراً بنموها التدريجي مع كل ثانية تقضيها في تدحرجها من عال، وصولاً لمرحلة توحشها وقدرتها على ابتلاع كل ما يعترض مسارها، فليتابع ما يثيرهُ الإخوان في ردهم كل عام حول الجريمة الإرهابية المنظمة التي استهدفت قيادة الدولة في مسجد دار الرئاسة في العام ٢٠١١م، وكيف يتلاعبون بالحقائق ويثيرون الشبهات حول الكثير من القضايا المصيرية، وذلك ما ملأ لاحقاً البر والاسافير، وقسم الناظرين للأمر إلى فسطاطين لا ثالث لهما: فسطاط محتواه يضج بالكذب والدجل، وآخر يمور بالقدح والسخط.

إن المرء ليقف مشدوهاً أمام هذا الانحراف الفكري الذي نشره رئيس الهيئة العامة للكتاب، وهو انحراف أخلاقي في الأساس والنشأة، الذي تخلى عن الحد الأدنى من ضوابط الفكر والطرح، بل عن مجرد الأدب والنزاهة الفكرية في الطرح، لينساق لولاءاتهِ الأيديولوجية واصطفافهِ الحزبي العنصري المقيت، وإذا كان من حق هؤلاء أن تكون لهم مواقفهم الأيديولوجية واختياراتهم الحزبية نظير غيرهم من الآخرين، فليس من حقهم أن يسوقوها بتوقعيات أكاديمية لا صلة لها بتلك المواقف والاختيارات، أم لعلهُ الانعزال عن المجتمع والاستعلاء عليه من يجعلانهم يرون في إدانة جريمة دار الرئاسة ظواهر خطيرة من ظواهر الطبيعة، ولا مانع لديهم أن يتفاخرون بشذوذهم الفكري عن المنطق والعقلانية، ويسمعون الأصوات المبحوحة تصدح بالحق وتنادي بالحرية فيحسبونها زئيراً مرعباً أو نهيقاً جماعياً مزعجاً.

يقول رئيس الهيئة العامة للكتاب، يزيدنا شرف أن نكون نحن ” الثوار” من نفذوا جريمة دار الرئاسة، وهو بذلك القول لا يدعم الإرهاب فحسب بل يُعري ويكشف أكذوبة سلمية ثورتهم، وبأنهم كانوا يبيتون النية لفعل ذات الجريمة، هذا إن لم يكونوا قد ارتكبوا جرائم مماثلة بحق الأبرياء ونسبوها للنظام وللرئيس الشهيد علي عبدالله صالح كما فعلوا في جريمة 18 مارس التي راح ضحيتها ما يقارب 50 شهيد، وفي هذا الصدد بدت إجابة رئيس الهيئة منزوعة المكياج والتبرج الذي لطالما لفَ بها أثواب الفهلوة بأكاذيب متنوعه، وهو امتداد طبيعي لعقلية منفذي الجريمة الإرهابية.

وبين هذا وذاك تتجسد أمامنا هويتان: هوية العقل واللا عقل، ومنهج الباحثين عن الحقيقة، والمزيفين لها من أرباب المصالح، هوية يُحركها العقل والبحث عن الحقيقة، وهوية مدفوعة بالأهواء والمصالح، وأخطر ما في المسألة هو تغليف الجرائم الإرهابية بالمقدس الثوري وتوظيفها بطريقة تتناسب مع طبيعة العلاقة بين الإرهاب والفوضى، إنه اختلاف الانتماء، بتعبير الفيلسوف طوسكانو، وجود أشخاص يفكرون في حزب أو جماعة ترفض التفكير، جماعة حريصة على صناعة القطيع ولو كان ذلك في سبيل ضياع المجتمعات.

يحدث غالباً أن أقرأ قصة قصيرة يروي أحدهم فيها تعرضه لانتكاسة وخيبات أمل متتالية، لكني لم أصادف قط في حياتي أن قرأت قصة يروي صاحبها فيها عن تعرضهِ للتعنيف الأسري وإظهار ذلك للعام من خلال توجيه التهم للآخرين وشتمهم بطريقة توحي للقارئ وكأن الأمر قد تجاوز التعنيف وربما وصل لانتهاك خصوصية الجسد، وإلا بماذا يُفسر كل هذا الحقد على اليمنيين ” العفافيش” الذين يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع اليمني وهم الغالبية بلاشك والسواد الاعظم في داخل الوطن وخارجه

وبالرغم مما تثبره جرأة القطيع من تحفظات وجدالات، فإنها تفتح باب المساجلات على مصراعيها، مسمهة في نفس الوقت في انتاج جيل كامل غير قادر على التفكير أو الحركة، وما أخشاه مما سبق ذكره في حال استدارت الأمور وتقولبت لصالح مهاجمة الضحية، فلحظتها لا يعدو أن يكون الأمر طعناً في الظل لا الفيل.

تعليقات