لم يكن العام الحالي الذي سيكمل أيامه بعد ساعات ويطوي صفحته المليئة بالمتناقضات والخيبات عاما جيدًا، فقد سجل رقمًا عاليا وحضورًا لافتًا من خلال أحداث ومنعطفات مهمة ومنغصات على المستوى المحلي والعربي والدولي، إذْ لا تزال الأحداث في تسارع رهيب والمجريات في تدافع مخيف، ما يعكس حالة من القلق واللا سكينة والاضطراب في رقعة واسعة من جغرافية العالم.
فعلى مستوى اليمن لا تزال جماعة الحوثي تمارس التدليس بوتيرة عالية رغم الاحتقان الكبير في الداخل وتدني منظومة الحياة بكل تفاصيلها، الحياة الطبيعية ذات المطالب والسقف المنخفض، ومع ذلك تصر هذه الجماعة على جرجرة التاريخ بالصورة التي رسمتها لها بعض الحسابات الإقليمية والدولية دون عمل أي اعتبار لملايين الناس ممن وصل بهم الحال إلى الحضيض ولا حتى لمنظومة العمل العربي المشترك بكل سلبياته، حتى حين أرادت أن تكون ضمن محاور مقاوم في وجه الكيان ذهبت باتجاه إيران لتثبت أنها جماعة انتهازية متطفلة وأنها بعيد عن النسيج العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
الحوثي الذي ابتز العالم كله في موضوع (خزان صافر) العائم في البحر الأحمر لسنوات، هو نفسه الذي هاجم مطار عدن الدولي وقتل عدد من المدنيين، وكان الهدف حكومة الشرعية بكل أطيافها والمواطن اليمني، هو نفسه الذي هاجم المنشآت النفطية وأوقف عملية تصدير النفط لسنوات في شبوة وحضرموت ما أفقد الخزينة ملايين الدولارات وأحدث خلالا في البنية التحتية وتوقفت الكثير من الأعمال وصرف الرواتب، وهو نفسه الذي كبد الاقتصاد المصري فقط 7 مليار دولار بسبب الهجمات على سفن الشحن الدولي القادمة من مضيق باب المندب عبر قناة السويس وضربت بالاقتصاد العربي عرض الحائط.
لم يكتفي بذلك كله بل قفز نحو غزة بعد أن وجدها فرصة ثمينة لتسويق نفسه خارج الحدود والانتقال من المحلية إلى العالمية، تاركًا وراءه مؤسسات هشة وضعيفة ووظائف فارغة وحياة اجتماعية منهكة وظواهر غريبة طرأت على بنية الانسان اليمني وتقاليده وأعرافه، ومعتقلات مليئة بالأبرياء وكرامة مسلوبة، ركب موجة القومية والأممية من خلال محور الممانعة للدفاع كذبًا عن قضية عادلة، أراد فقط الإيحاء للآخرين بنجاعة مشروعه الطائفي لا أكثر، مستغلا كل المبررات لقمع الداخل ونهب المقدرات وطمس التاريخ والهوية اليمنية، وتزوير المجريات عبر المزيد من الخطابات والبرقيات المغسولة بدماء الشعب وكرامته المهدورة.
من يتتبع مسيرة عبد الملك الحوثي وعصابته الحاكمة بأمره قبل عملية (طوفان الأقصى) بسنوات وبعدها، لا يجد فروقا كثيرة، الخطاب نفس الخطاب المشروع نفس المشروع الرؤية هي ذاتها، ولذا فإن أي عاقل يستبعد تمامًا عودة الحياة في اليمن شمالًا وجنوًبا، في ظل وجود هذا الجماعة على رأس السلطة وهي من تقود العملية السياسية، بل أنها قطعت كل التكهنات الإيجابية تجاه إمكانية حدوث انفراجة أو تغيير في أدواتها وسياستها تجاه الداخل والخارج، حتى بعد سقوط نظام الأسد بتلك الصورة البائسة ونقل حزب الله في ظرف أيام إلى غرفة الإنعاش في موت سريري لا جدوى منه، بعد أن أوغل هؤلاء بمساعدة طهران في سفك الدماء وتحويل سوريا إلى بؤرة إرهاب ومصانع للكبتاجون وأنواع المخدرات ومحطة توزيع إلى أغلب الدول.
الحوثي هو نفسه الذي استدعى طيران الكيان الصهيوني لضرب مطار صنعاء الدولي وما تبق من مقدرات الشعب اليمني تحت لافتة نصر غزة وفوق ذلك زاد الطين بلة وتسبب بمزيد من الخراب وفتح أبوبا نحن في غنى عنها، على الأقل في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، لأننا نحن اليمنيين منذ (الحروب الستة) التي بدأها هو وحتى اليوم وبلادنا لم تتعافى، أضف إلى ذلك انضمامه إلى ساحات (الربيع العربي) ككيان يبحث عن دولة حديثة مدنية يسودها الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية، دولة خالية من الفساد والمحسوبية والوساطات دولة القانون والديمقراطية والمساوة، لكنه وبمجرد ما تمكن وقفز للحكم عبر انقلاب يعد من أسوأ الانقلابات في التاريخ مارس ما لم يمارسه بني صهيون في حق الفلسطينيين، ولا زال الضحايا يتساقطون والحبل على الجرار، أكثر من ربع مليون قتيل ومثلهم جرحى وأضعاف أضعافهم مشردين ونازحين ولاجئين ومقيمين في عواصم ومدن العالم وبلد ممزق مثل خرقة بالية واثنين مليون لغم وعبوة متفجرة.
لم يكن عام الرماد سوى انعكاس لمدخلات خاطئة تراكمت وشكلت كرة ثلج مليئة بالشوائب والأوساخ التي صنعتها سلطة همجية غاشمة رجعية، هذا بالنسبة لليمنيين، حيث برزت الصورة بشكلها الواضح للعيان من خلال المعارك التي تقص شريطها المليشيا من وقت لآخر بإيعاز من إيران وبصورة جلية ليس فيها أدنى شك، وهي تأتي على حساب الشعب اليمني المتطلع لعملية السلام التواق للاستقرار والعيش بآمان وعلى على المستوى العربي والعالمي فقد رأينا ما أحدثه الكيان الصهيوني في غزة وغيرها وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية والعديد من الأزمات الاقتصادية.
لا يتسع المقام أبدًا لحصد الكوارث التي تسببت بها هذه الجماعة لا خلال العام الجاري 2024 ولا الأعوام الماضية وهي كبيرة وكثيرة وعظيمة، فقد أوجعت هذه الجماعة قلوب الناس من حضرموت حتى صعدة مرورا بتعز وذمار وغيرها ولا تزال تكابر ولن تعيد حساباتها أبدًا حتى ترى البلد في آخر رمق له ينازع مثل غريق، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فإن هذه الجماعة قد فقدت كل شيء يمكنه أن يُجمِّل صورتها أو يعيد اليمن إلى حاضره الجميل أو سابق عهده والله المستعان.