يخطئ بعض العرب مرةً أخرى في قراءة المشهد اليمني بتعقيداته الشائكة في الداخل ومع الجوار، ويريد البعض منهم أن يتحول (الحوثي) في اليمن المنهك الممزق إلى جبهةٍ مع إسرائيل بديلةٍ عن حزب الله المهزوم ونظام (الأسد) المنهار ، وإيران المهانة وبقية أذرعها المستكينة في العراق.
لا يقيم هؤلاء أي اعتبار لنزاع (الحوثي) المرير في الداخل مع الغالبية من أبناء شعبه، بدلاً من نصحه للالتفات إلى ما تركه انقلابه على الإجماع الوطني من حربٍ ضروسٍ لتسعة أعوام أحرقت أخضر البلاد ويابسها، وتسببت في مقتل أكثر من ربع مليون إنسان، ونزوح وتشرد ملايين اليمنيين في الداخل والخارج، وإلحاق أضرارٍ بالغةٍ في بنى اليمن التحتية الهشةٍ أصلاً.
هؤلاء الفئة من الإخوة العرب لا يريدون خيراً لا للحوثي ولا لليمن الجريح، وكل همهم أن يجدوا (بطلاً) بديلاً عن الهالكين في محرقة الصراع مع عدوٍ مجرمٍ وحاقدٍ كإسرائيل، ويحاولون من حيث يدرون أو لا يدرون الدفع باليمنيين مع (الحوثي) إلى كارثةٍ لن تبقي ولا تذر .
الإسرائيليون يدركون أكثر من هؤلاء أن “الحوثيين” ليسوا أكثر من “”حالةٍ خاصة” استطاعت إيران تحويل مظلوميتها إلى مخلبٍ لأيدلوجيتها في المنطقة، وشجعتها في لحظةِ غفلةٍ للسطو على الدولة اليمنية، لمجرد أن يكون لإيران يدٌ على “عاصمةٍ عربيةٍ رابعة” تستخدمها قاعدةً لمواجهة الغرب وإسرائيل.
يدرك قادة إسرائيل أكثر من أشقائنا العرب أنه لا توجد للحوثيين بُنىً تحتية لاستهدافها كما يتوعدون، بل هي منشئات مدنية وحتى عسكرية وأمنية مختطفة، فالحوثيون لم يضعوا حجراً على حجر ، ولم يبنوا طوال فترة سيطرتهم رصيفاً أو جداراً ، وأنهم لم يكونوا أكثر من “مشروع حرب” لا وقت لديه للتنمية أو البناء والإعمار.
هذه “الحقيقة” على رغم وضوحها لاتهم اسرائيل بأي حال طالما وفرت لها إيران والحوثيون “عدواً مفترضاً” ومبرراً لاستعراض جبروتها بتدمير بلدٍ عربيٍ آخر لا يحتمل المزيد من الدمار الذي أحدثته مغامرات الحوثيين.
كم يبدو منطقياً قول رئيس الاستخبارات الإسرائيلية رغم الخلاف العميق مع مخططاته بأن استهداف الحوثيين في اليمن سيكون عديم الجدوى مالم يتم التركيز على إيران باعتبارها مصدر التمويل والدعم والتحريض لأذرعها في اليمن وغيره.
لابد أن شيئاً من الإزعاج يمكن أن تتسبب فيه صواريخ الحوثيين الإيرانية لإسرائيل، لكن لا شيء يمنع إسرائيل من أن تكف عن نفسها هذا الإزعاج بقطع “الذراع الحوثي” بكل الوسائل المدمرة المتاحة لها أمام صمت بل رغبة أغلب دول العالم، محيطاً وشرقاً وغرباً، وحتى في الإقليم التي تضررت تجارتها ومصالحها بسبب مغامرات الحوثي في البحار المحيطة باليمن.
السؤال الآن، هل فات الأوان لتفويت الفرصة على مخططات إسرائيل الجهنمية في اليمن، والجواب، إن ذلك ممكن في حالةٍ واحدةٍ فقط إذا أمكن لليمنيين أنفسهم انتزاع زمام المبادرة بأيديهم، بإجبار الحوثيين سلماً أو حرباً بالكف عن اللعب بالنار مع عدوٍ لئيمٍ ومتغطرسٍ، والتوجه إلى الداخل بمد يد السلام والتخلي عمّا لن يكون البديل عنه سوى الخراب وهلاك الجميع!