تعال أيها الموت لم أعد أخافك
سأهزمك أيها الموت تعال فقط وسأقابلك كما لو اني امضي الى مخدع حبيبتي التي تركتني لأني نسيت كيف تكون اول قبلة، لأني ارتبكت عند اول وهلة. هجرتني لكنها تصدقني حتى وانا أكذب، تحبني لأني اعيد الاشياء الى بدائيتها، طفولتها، واتركها تنمو مثل اعشاب برية.
سأستقبلك ايها الموت بأغنية، بقصيدة حب.
اعذرني ان كنت شاردا، سأفكر للحظة أخيرة بحبيبتي. سأطبع قبلتي الأخيرة على وجه الحياة، وأرثي نفسي قليلا، متذكرا الأشياء التي فعلتها. لن افكر، ولو قليلا، بأي من تلك الندوب التي تركها الاخرين على روحي، لن اكترث بالأشياء التعيسة، اولئك التعساء الذين يتركون أثرا كالسم.
سأعترف بأني كنت الشخص الأكثر شغفا بالحياة، المفعم بالفرح، في ذروة الحزن.
كنت مرغما ان اعيش حتى اخر انفاسي، مستمتعا حتى بالحزن حين يطرق بابي، استأنس به.
وحين لا يكون هناك فرح، كنت اصنعه من الذكريات، او خيالاتي. امشي مبتسما، كأن عيني تحط على وجه ملاك، لأني اخفي حزنا دفينا، فعلت ذلك رغما عني، كما لو قتلت عصفورا بالخطأ، فصاحت جوقة عصافير ترثيه بألحان مبهجة تبث الرقص، ومشرقة بالحياة.
كنت استعير طفولتي، فيتهيأ لي كأن كل شيء على مايرام، كأني اتيت وحدي واغادر وحدي؛ أغني:
ما أعذبك ايتها الحياة وان اغرقتني بالحزن والألم، كنت دائما اجمل من الموت. كنت دائما امرا يثير آلاف الرغبات، حتى وان كان الموت نفسه.
اذن توقف ايها الموت.. لن اذهب معك.. هناك مازال بانتظاري الكثير من الأشياء، لا تهددني بأن معظمها مؤلم وشديد القسوة، سأحبها أكثر منك.
اتركني وشأني، فأنت لو كنت تشرب الخمر، كنتُ سقيتك حتى الثمالة لتنساني. اذهب وعد لي بعد زمن طويل، أو سأخبرك، سأناديك، وارسل اغنيتي الأثيرة؛ “تعال لتصطحبني حيثما شئت”.
لكن لنشرب قليلا من الخمر، لنستمع الى شوبرت، رباعيته الحزينة تحديدا، “العذراء والموت”، كم انت قاسيا ايها الموت، كيف تفعل ذلك، مازلت حزينا على عذراء شوبرت. كل عذراء اغتصبت حياتها، احداهن ربما كانت قررت ان تهب جسدها حبيب ربما كان مخادع. اتركها ياموت.
آه لو كنت انا الموت، كنت سأقبلهن فقط. أظنني كنت يوما ما أمارس عملك، لكني تركت الناس يعيشون، باستثناء الأكثر قسوة، أولئك الذين يسممون حيوات الآخرين، تراكم الكثير من الموت، ونسيت الكثير منه.
فعزلني الرب، مازالت لعناته تلاحقني. كنت جبانا ان انتزع حياة البعض، كانت جميلة تداعب قدميها، وشعرها معقوص حتى هب الحريق. لكني بدلا من انتزاع روحها اطفأت النار.. تراكم الموت حتى تعفنت الحياة.
كانت الحياة جميلة للغاية، لم اترك خلفي الكثير من الآلام، لكن الكثير سئم الحياة، كانوا ينادونني لكني اهرب.
خذ اولئك الحمقى ايها الموت، غير المبهجين، اولئك المتصنعين والأكثر تجهما حتى يسمحون لآخر بأن يحيا مكاننا، كأنه صورتنا وافكارنا ومشاعرنا وحتى نوايانا. أما أنا فمازلت اصنع كثيرا من الحزن، لأضحك وسط جوقة من الآلام، وأغني.
ما اعذبك ايتها الحياة..
اه لو كان بمقدوري عيشها آلاف المرات، لن أخاف، الا ان تأتيني مغتصبا، وغشوما، ايها الموت اتركني، فأنا لم أفهم نفسي بعد.
لعلي الأكثر غرابة، أو ان مخيلتي الغريبة عاشت منذ آلاف السنوات. مع هذا اتركها وشأنها، دعني وشأني لأعش وحيدا كما كنت، وان تصنعت كل تلك اللقاءات والأهازيج، فأنا كنت وحيدا يا موت. كنت دائما ازرع وحدتي في صدر الأصوات والكلمات، كما لو انها هذيانات متطايرة وشاردة في خمر أحلامي.