تعتبر ظاهرة الانتحار من القضايا الاجتماعية والنفسية المعقدة التي تؤثر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وفي اليمن، شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في حالات الانتحار وخصوصًا في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية “وكلاء إيران”، نظراً لحربها الغاشمة على كافة شرائح المجتمع واستخدام كافة الأساليب والوسائل الإجرامية والإرهابية لزيادة ومضاعفة أوجاع ومعاناة المواطن اليمني، إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة التي تفرضها المليشيا، وأعمال القمع، وقطع المرتبات، الأمر الذي يدعو للقلق ويستدعي دراسة الأسباب والعوامل المؤثرة ووضع الحلول والمعالجات لهذه المشكلة.
الوضع الحالي
تشير التقارير إلى أن اليمن يعاني من ارتفاع ملحوظ في معدلات الانتحار “القاتل الصامت”، خاصة بين الشباب والنساء. وفقًا لمنظمات غير حكومية ومراكز بحثية، فإن الأرقام تشير إلى زيادة بنسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق خلال السنوات الأخيرة.
مليشيا الحوثي وخلال ستة أشهر فقط اعترفت بوقوع ما يزيد على 122 حادثة انتحار سجلت بعموم مناطق سيطرتها، منها 5 حالات فشلت بالانتحار، فيما أودت بقية الحوادث بحياة 117 شخصاً، بينهم 19 طفلاً و34 امرأة، والبقية من الذكور تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً.
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا كشف تقرير يمني رسمي ، عن ارتفاع معدلات حالات الانتحار بين اليمنيين، ليقترب الرقم في غضون 6 أشهر فقط، من 90 حالة، من أصل 113 محاولة انتحار.
ونشر مركز الإعلام الأمني في وزارة الداخلية اليمنية المُعترف بها دولياً، أغسطس الماضي، تقريراً دورياً، أعلنت من خلاله، رصد وقوع 113 حالة انتحار والإقدام على الانتحار، أقدم فيها 90 شخصاً على إنهاء حياتهم، فيما تعرض 23 آخرين للإصابة، خلال النصف الأول من العام الجاري.
وشهدت محافظة تعز جنوب غرب البلاد، أكبر عدد من الحالات التي أقدم فيها المواطنون على تنفيذ عملية الانتحار، حيث بلغت 44 حالة انتحار، فيما جاءت محافظة “شمال شرق”، خلفها مُسجّلة 25 حالة انتحار، بينما جاءت العاصمة المؤقتة عدن ثالثاً وبرقم أقل من مأرب، ووصل عدد الحالات في محافظة حضرموت (جنوب شرق) إلى 16 حالة.
ما خفي كان أعظم
الحرب التي اشعلتها مليشيا الحوثي قبل نحو عشر سنوات والوضع معيشي الصعب الذي تسببت به المليشيا وانقطاع صرف المرتبات الحكومية لمعظم الموظفين وارتفاع الأسعار وتزايد مؤشرات الفقر والبطالة، فضلًا عن ضعف الوازع الديني، أوصل معظم المجتمع اليمني للتفكير بالانتحار.
وتشير التقديرات إلى أنه يوجد حاليا أكثر من 000 700 حالة انتحار تحدث سنويا في جميع أنحاء العالم، ولا يغيب عن علمنا أن كل حالة انتحار تؤثر تأثيراً عميقاً على عدد من الناس أكبر من ذلك بكثير.
وتختلف وسائل الانتحار من إطلاق النار وشرب السم إلى الشنق والرمي بالجسد من علو؛ لأن هذه الحوادث تكون أمام الناس ولهذا عدد كبير من الحوادث لا تجد طريقها للإعلام، فيما القلة من تلك الحوادث تجد طريقها الى الإعلام كحادثة انتحار طالب بكلية الإعلام في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة عصابة الحوثي الإرهابية، حيث وجده زملاؤه مشنوقا على شجرة في حديقة الجامعة مستهل العام الجاري، وكذلك محاولة انتحار رجل في متوسط العمر أمام أحد مستشفيات صنعاء ذبحاً بآلة حدة، وبشكل يعبر عن صورة المعاناة الاقتصادية التي تدفع الناس إلى الانتحار نتيجة الشعور بالعجز والإحباط في استمرار مليشيا الإرهاب الحوثية في تجيير الوطن وممتلكاته لحسابها وأجندة مموليها الإيرانيين، متجاهلة جرائمها الإرهابية في حق الوطن والمواطن.
الأسباب
الناشط خالد محمد سعيد ارجع تزايد الانتحار في اليمن إلى الصراعات السياسية المستمرة في البلاد إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة، مما يزيد من القلق والاكتئاب لدى السكان ويجعلهم يفقدون الأمل في المستقبل.
يقول خالد للمنتصف: نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، تفتقر البلاد إلى الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية، مما يجعلهم يفقدون الأمل ويلجأون إلى الانتحار كحل نهائي.
وأضاف: يفرض الحوثيون قيوداً صارمة على الحريات الشخصية والتعبير عن الرأي، مما يؤدي إلى شعور الأفراد بالاكتئاب والعزلة ويجعلهم يفكرون في الانتحار كوسيلة للهروب من القيود والضغوط.
من جانبه يقول مختار السامعي للمنتصف نت إن اليمن تعاني من أزمة إنسانية خانقة نتيجة النزاع المستمر منذ عام 2015، مما أدى إلى تفشي الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية.
وأشار السامعي إلى أن الضغوط النفسية تدفع الكثير من الشباب للانتحار حيث يعيش الكثير من اليمنيين تحت ضغط نفسي هائل بسبب الظروف المعيشية الصعبة وفقدان الأمل في تحسين الوضع.
ولفت الى أن هناك نقصً كبيرًا في خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي، حيث لا تتوفر الموارد الكافية لمساعدة الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية.
وأشار السامعي إلى أنه بسبب حرمان الميليشيا الحوثي لاحد المواطنين الفقراء من الحصول على مساعدات غذائية، أقدم الأخير على الانتحار وشنق نفسه في العاصمة المختطفة صنعاء.
المعالجات
وعن التدابير المقترحة لمعالجة هذه المشكلة يقول السامعي: يجب تعزيز الوعي حول قضايا الصحة النفسية وأهمية الدعم النفسي للأفراد والمجتمعات، وتوفير خدمات الدعم النفسي من خلال إنشاء مراكز دعم نفسي وتوفير التدريب للمهنيين العاملين في هذا المجال.
وشدد السامعي على ضرورة أن تسهم المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات اللازمة وتطوير برامج للتوعية والدعم.
وكذلك تشجيع الحوار المجتمعي والنقاشات المفتوحة حول الصحة النفسية والانتحار لتقليل الوصمة المرتبطة بها.
وشدد السامعي على ضروري توفير الدعم والرعاية النفسية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية وعاطفية، وتعزيز الوعي حول مشكلة الانتحار وكيفية الوقاية منها. مطالبًا الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني العمل معًا لتوفير الدعم والموارد اللازمة لمنع حالات الانتحار ومساعدة الأشخاص الذين يعانون.
ويرى خبراء علم النفس وعلم الاجتماع أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت بها مليشيا الحوثي في اليمن تعد السبب الرئيسي وراء لجوء البعض للانتحار، إضافة إلى عوامل أخرى منها، ضعف الوازع الديني، وإدمان الخمور والمخدرات.