منبر حر لكل اليمنيين

زيارة السفير المُشتعل بالوطنية

مصطفى المخلافي

81

لعل زيارة الأخ القائد أحمد علي عبدالله صالح نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام للقاهرة، كانت بمثابة ولادة عهد جديد للروح الوطنية، نتج عنها قراءة سياسية أستأنس فيها جميع اليمنيين الذين حضروا للسلام عليه في مقر إقامته في القاهرة، والذين أيضاً تابعوا خبر زيارته من داخل وخارج اليمن، إذ عكست هذه الزيارة لدي أنا وكثيراً من اليمنيين حالة من التأمل، جعلتني انتبه إلى أن حدث الزيارة تُعد قصة منثورة على كل المستويات، وأهم ما ذهبت إليه هذه الزيارة، هي أنها كانت بمثابة دعوة للتأني في ملاحظة الفروقات في الأحداث وقراءة الشخصيات ذات الأهمية التي تحظى برصيد وطني وشعبي واسع، ولربما كانت هذه الزيارة أهم حدث تابعه اليمنيين منذُ رحيل واستشهاد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، لما تحملهُ من قيم إنسانية واخلاقية وثورية استدعت النفير العام في نفوس الشعب اليمني قاطبة.

في يوم غير مشمس هادئ مفعم بالحيوية والنشاط رأيتهُ في مقر إقامته واقفاً يُصافح الحضور، تجلت له مشاعر الحرية برفقة نسيم الهواء وجموع من أمواج البشر التي كانت تملأ المكان، كان يتأمل الجميع من حوله والمحبين، وكأني كُنتُ أطالع نصوصاً مختارة حولهُ تطلبها الروح قبل العقل، كان وجدانهُ يُحلق في سماء اليمن لاستعادة دولة ذائبة، غارقة في مجمل القضايا والصراعات والعُقد المتراكمة التي خلفتها الحرب، طفقتُ لأقرأ في ملامحهِ فقرات مراحل إنقاذ اليمن، وأنا أردد في داخلي ” جئناك أشلاء مبعثرين بلا وطن، لكني أُدرك أن في داخلك كل قوى الكون، وعند السلام عليه شعرتُ وكأني أصافح صنعاء ويداي ممدودةً إلى جبل نُقم.

في ذلك اليوم قضى الأخ نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، يوماً روتينياً بشكل يضمر الاطمئنان إلى المصير، كقصة “وعد الخلاص في صنعاء” أوجه مزدحمة، وحدقات بؤبؤ العين تنظر إليه، لا أرى سوى ملامح منه وأنا البعيد بين الحضور، منقذ اليمن اراهُ في صمت، ضاع التركيز في كومة ترتيب سنين الحصاد.

لا شيء آخر أفعلهُ سوى الحفاظ على الزمن في رأسي من محاولات الهرب الحثيثة، الهرب من صدمة الحضور، من حقيقة المشهد، لا صوت خارجي غير صوت حديثي مع نفسي أو مناداتي لذاتي، صوت صرير أبواب العاصمة صنعاء تقرع في داخلي، كان هذا اليوم بالنسبة لي آخر معالم المدعو “يوم” دونهُ لا وجود لشيء سوى الجنون الذي كاد أن يُداهمني في لحظة بهجة وسرور.

لم أقرأ العميد أحمد علي عبدالله صالح، إلا مؤخراً قبل عدة أيام، وكم عاتبت نفسي لذلك، منذُ سنين وأنا أتلهف لقراءة هذه الشخصية التي لطالما كانت محط اهتمام كثير من اليمنيين والعرب، ولم أرى سوى ما سمعت عنه من أهمية سياسية وكاريزما قيادية رفيعة، وأنه يضيف للآخرين الكثير من المعنويات والتفاؤل، ويستحوذ على كل مشاعرك بلا استئذان، ويضربك بحضورهِ كأنهُ إعصار قادم من شمال اليمن حيثُ عاش قائداً عسكرياً وقارب بين المدنية والعسكرية، وهو المشتعل بالوطنية والحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة شوقاً ولهفة إلى حرية المعرفةِ وحرية الحداثة، هذا عدا عن تقديسهِ لحرية الكلمة والصحافة التي بدت عليه بوصفهما المادة الخام المستعلمة في صياغة الملحمة والتاريخ والمستقبل، هذا أبرز ما لمستهُ من زيارتي القصيرة التي ربما فتحت جروحاً عميقة كونها ذكرتنا بالشهيد الزعيم علي عبدالله صالح لكنها لم تكن ذاتَ وجع.

تعليقات