منبر حر لكل اليمنيين

اللقاء بسفير علي عبدالله صالح في القاهرة

محمد عبده الشجاع

0 Comments 218

قد يتشَّكل لديك أكثر من انطباع وأنت تُصافح لأول مرّة شخصًا كنت تحب أباه الذي رحل عن الدنيا، انطباعٌ واحدٌ تشكل لدي وأنا التقي سعادة السفير أحمد علي عبدالله صالح مع مجموعة من الأصدقاء ورفاق الشتات وهو أنني كنت اصافح كف صالح احتضن صدره الرحب ومقامه الكبير وروحه التي لا تنطفئ جذوتها.

ولذا يمكن القول أن التاريخُ زاخرٌ بالمنعطفاتِ المضيئة، مليءٌ بالأماكنِ المشرقة، والأفكار العظيمة، جديرٌ بالكتابةِ، يعج بالنواميس والمسارات مُحاط بالضغينة والصراعات والجدل والمؤامرات التي لا تتوقف، والمشاعر المرتجلة، والسياقات والعواطف الجياشة، ولغة التشاؤم والظنون وبناء المواقف بالكيفية التي يختارها كل فرد منا.

اليوم في هذا المقام الفريد، واللحظات العتيدة، والمجازات الظامئة، والكلمات المتناثرة على رفوف الغيم، نستعير بعض الجمل لنعبر عن جسارة المعنى ومتانة الروح كي تبدو أكثر جلاء ووضوح، ونقتبس العبارات لنصنع منها أملًا نَعبر من خلاله إلى مشهد عقَّدته الظنون وثبّطه المرجفون المتخمون بالجهل، ونعير المدى تفاؤلًا بعد مساء من الأوجاع، ونبتهل لعل الحكمة تحضر من كل صوب، ونحسن الظن بعيدًا عن الصنمية وبعيدًا عن الخدوش التي يحاول المتشائمون تركها خلفهم وهم يَعبُرُون فوق قناعاتنا وجراحانا إلى ضفاف مجهولة.

ما حدث بالأمس هو أنني صافحتُ روح الصالح احتضنتُ صدره الرحب رأيته رؤي العين، كان حلمًا جميلًا رأيت فيه رئيس بلاد أوقد مشاعل كثيرة حتى في اختلاف الناس حوله ظل علي عبدالله صالح رقما منفردا وجدلًا واسعًا وقيمة لها وزنها.

رأيته قادماً من سنحان بلاد مذحج وقحطان تاركًا خلفه قلاعًا وحصون ومنازل متواضعة وتلالًا عالية وشرفات مفتوحة على الآفاق وأناسٌ لا يعرفون لليائس طريق، ونساءٌ يتشاركنَ العمل في الأرض مع الرجال بالفطرة.

رأيت في ملامح وجهه الجندي الوفي والطالب الخارج للتو من كتاتيب القرية تاركاً خلفه صوت الفقيه وهو يتهجى الآيات ولوح مكتوبٌ عليه “وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب”.

سنحان البلدة التي لم يكن فيها منتديات ثقافية ولا مقرات حزبية ولا تعرف شيء عن البروليتاريا وليس فيها سينما ولا مظاهر عصرية ولا موديلات الموضة ولا ناصرية ولا اشتراكية ولا رأسمالية ولا ليبرالية، منطقة مظلمة خرجت للتو من كهف الإمامة المندحرة، بلدة تزرع الحنطة وتحصد ثمارها، أهلها يلبسون العسيب ويربون الماشية.

رأيته خارجا من عنق الجحملية يجوب شوارع المدينة الحالمة يتنقل بين بيوتها ومقايلها يتأمل بناية القصر الجمهوري بشغف وتطلع ويطوف بمعسكر التشريفات، رأيته خارجًا من معسكر خالد بن الوليد وفي طريقه يتعرف إلى الشخوص والناس والازقة، يحفظ ملامح المدينة وجدرانها العتيقة بشكل جيد ويدخن سيجارة زرقاء.

رأيته يصافح الناس في وادي حضرموت وصحرائها لا يتصنع الود ولا يزيف الواقع يلعب السياسة بدهاء الكبار ويعبر عما في داخله بكل وضوح، ويعرج على العاصمة التجارية والاقتصادية عدن، يزور عروس البحر الأحمر وفي طريقه يتوقف في عاصمة السياحة إب، ينطلق صوب صعدة وقبلها ذمار وحجة وعمران.

رأيته يزور منازله وبيوت أهله التي قُصفت في عاصمة الروح صنعاء، يتأمل أبجدياتها التي مزقتها المليشيا، يزور قاعات الأفراح والعزاء المضروبة من قبل الطيران بيدين ما تزال آثار الحروق عليها شاهدٌ حيٌ وجسد ممزق من أثر الشظايا ووجه تعج به خطوط وتعرجات السنين.

رأيته يجتمع بمشايخ الدين والوجاهات من كل حدب ومذهب وصوب يحاول احتواء الجميع ويحذر من فتنة قادمة قد تأكل الأخضر واليابس وضياع الوطن ويدعو الجميع إلى جادة الصواب رافعًا كتاب الله حَكمًا وميزانًا متسائلا بأن أهم شيء النوايا وليس التوقيع على الورق.

رأيته وهو يهاجم الإمامة ويذكر الناس بمآسيها، ويلقي خطابًا كله اعتذار للشعب طالبا منهم المسامحة عن أي تقصير أو أخطاء حدثت أثناء حكمه، لم يكن ملاكا كان فردا رئيسا مسؤولا حاول ونجح هنا واخفق هناك لكنه لم يكن ديكتاتورا ولا طاغية ولا صنمًا ولا تمثالا، نجح في الكثير من محطاته السياسية وخاض غمار الحياة برابطة جأش وحكمة.

رأيته مُسجىً محمولًا على الأكتاف في نعش من خشب الغضا يُلوِّحُ للواقفين على جنبات الطريق من نافذة سيارته الجيب دون ربطة عنق لا يدعي بأن لديه مشروع قرآني ولا رفع يومًا رايات الخلافة السوداء، متوشحًا شالًا شعبي على كتفيه ومحزم أنيق دون جنبية.

رأيته رافعًا يد السلام والمحبة داعيًا إلى الحوار بعيدًا عن المذهبية والمناطقية والسلالية والإمامة المتخلفة، رحمة الله تغشاه ولأولاد كل المحبة والاحترام، ولهم أن يفخروا به وبما كان عليه من سجايا وخصال، وبما ترك من أثر طيب ونضال، وبما حمل من روح وثابة وجهود حثيثة شكلت صورة عظيمة من صور الرجال الأبطال.

“سنظل نحبك مخطئاً ومصيبا وسنحشد الآمال حيث نراك وقد نراك قريبا”.. السلام على روحك وعلى سفيرك وعلى صنعائك وعلى يمنك من صعدة حتى المهرة إلى جزيرة سقطرى.

تعليقات