لو كانَ لِيْ حتِّى أَطِيرَ جَناحُ
أَو كان عِندي لِلمُنَى مِصباحُ
ما طال عن وَطنِ الجُدودِ تَغَرُّبي
أو كان طالَ تَحَسُّرٌ ونُواحُ
ولَمَا غَدَوتُ مُفارقًا أَهلِي به
مَن ذا بِفُرقةِ أَهلِهِ يَرتاحُ !
لكنهُ حَكَمَ القَضاءُ ، وليس مِن
حُكْمِ القَضاءِ تَحَرُّرٌ وسَراحُ
الذِّكرَياتُ عَلَيَّ تُمطِرُ حَسرةً
والحُزنُ بين جَوانِحِي ذَبَّاحُ
أتَذَكَّرُ الوَطنَ الذي عَبِثَت به
وبأهلِهِ الأزماتُ والأشباحُ
أتَذَكَّرُ الطّفلَ الذي خَطَفَتهُ مِن
يَدِ وَالِدَيهِ وطارَتِ الأتراحُ
أتَذَكَّرُ الوادِيْ الذي في سَفحِهِ
لَعِبَ الرُّعاةُ ، وغَرَّدَ الفَلَّاحُ
أتَذَكَّرُ الأَصحابَ ، في ضَحِكاتِهِم
أُنْسٌ ، ومِلءَ عُيونِهِم أفراحُ
وأَرى الخَيالَ إلى الترابِ يَشدِّني
فتَكادُ تَظمَأُ في يَدِيْ الأقداحُ
زادَ الحَنينُ إلى البلادِ ، فَلَيتَ ما
بَيني وبَينَ وِصَالِها يَنزَاحُ
ما عُدتُ أقوَى أن أعِيشَ مُغَرَّبًا
إنَّ الغَريبِ عن الدِّيارِ مُباحُ
حاوَلتُ نِسيانَ الرُّجُوعِ ، فلم يَزِد
إلَّا الحَنِينُ إليهِ ، والإلحَاحُ
وأَرَدتُ إخفاءَ الدّموعِ ، فأمطَرَت
بين الضُّلوعِ مَواجعٌ وجِراحُ
يا دارَ أَهلي في (اللِّواءِ) ألَيس لِي
نحو الأَحِبّةِ والصِّحابِ رَوَاحُ ؟!
لا اللَّيلُ منذُ فُراقِهِمْ ليلٌ ، ولا الـ
إصباحُ دون لِقائهِم إصباحُ
والعِطرُ ما عادَتْ ثُمالَتُهُ التي
كانتْ بِطِيبِ حَدِيثِهِم تَنداحُ
رَوضٌ ، وحَلَّ القَحطُ في جَنَباتِهِ الـ
ـخَضرا ، وماتَ هَزارُهُ الصَّدَّاحُ
يا دارُ كُنتُ أَعُودُ نَحوَكَ مُسرِعًا
وحَنانُ حِضنِكِ وافِرٌ ومُتاحُ
ما ليْ أَعودُ بِحَسرتي مُتَثاقِلًا
ويَردُّنِي عَن بابِكَ المِفتاحُ !
بالأمسِ كانَ نَسِيمُ سِحرِكَ عاطِرًا
واليومَ أنتِ عَواصِفٌ ورِياحُ
حتى القَصِيدةُ لم تعد ببُحُورِها
تَكفِي لِيَكشِفَ ما بِيَ الإفصاحُ
مَوجُوعةٌ رُوحِي عليكِ ، فأين مِن
ذِكراكِ أَهربُ ، وهو لي فَضَّاحُ !
فإذا شَكَوتُ فقد شَكَوتُ مَحَبَّةً
وإذا سَكَتُّ فما عليَّ جُناحُ