منبر حر لكل اليمنيين

إيران.. ماذا يحدث في سجن “إيفين” سيء السمعة؟

وكالات/

18

“إضرابنا عن الطعام، أنا ومطهره ليس سوى فعلاً يائساً في مواجهة الظلم. فعلٌ نعلم أنه سيضر بجسدينا، لكننا لا نرى أي طريق آخر أمامنا”.

بهذه الكلمات اختتمت الصحفية والناشطة الإيرانية ويدا رباني رسالتها من داخل سجن إيفين سيء السمعة، والتي نشرها موقع “إيران وير” في 26 نوفمبر، حيث روت تفاصيل المعاناة التي تعيشها هي والعديد من المعتقلات الأخريات، بينهن مطهّره غونيي.

كانت ويدا قد تعرضت لاعتداء جنسي على يد عناصر أمن السجن أثناء تفتيشها الجسدي في الثالث من أكتوبر 2023، في جريمة بشعة حاولت ويدا توثيقها بشكوى رسمية. إلا أن الشكوى لم تؤدِ إلى العدالة التي كانت تطمح إليها، بل جلبت لها عقوبات جديدة من إدارة السجن، شملت حرمانها من أي إخلاء سبيل مستقبلي.

لم تكن ويدا وحدها التي تحمل وجعها بصمت داخل الجدران الخرسانية. الناشطتان نرجس محمدي وواريسا مرادي المعروفتان بدفاعهما عن حقوق الإنسان ومعارضتهما لعقوبة الإعدام، كانتا تكافحان من أجل البقاء وسط ظروف احتجاز قاسية. وباتت صحتهما تتدهور بسرعة بسبب الإهمال الطبي.

وأمس الأربعاء، أعلن محامي نرجس محمدي الإفراج عن موكله لثلاثة أسابيع لأسباب صحية.

وفي رسالة خطية، وصفت ويدا كيف بدأت هي ورفيقتها مطهّره غونيي إضراباً عن الطعام احتجاجاً على هذا الإهمال. كان الإضراب خطوة يائسة، لكنها كانت تعكس عمق الإحباط الذي يعيشه المعتقلون داخل إيفين.

لكن رباني ورفيقاتها لسن سوى مجموعة صغيرة من بين مئات الأصوات التي صرخت من خلف جدران هذا السجن، مطالبة بالعدالة والإنصاف في وجه نظام لا يتوانى عن سحق معارضيه، بل هناك صرخات وأنّات يرجع صداها إلى زمن ليس بالقريب.

السجن الجامعة

تأسس سجن إيفين عام 1972 في عهد الشاه رضا بهلوي عند سفوح جبال ألبرز في منطقة سعادت آباد شمال غرب العاصمة طهران، وكان وقتها يفترض أن يتسع لـ300 سجين. وسرعان ما اكتسب سمعة سيئة، خصوصاً أنه شهد أعمال توسيع ليمتد على مساحة تصل إلى 43 ألف متر وأصبح يتسع لـ15 ألف معتقل، وذلك بعدما استولى الخميني على السلطة عام 1979.

وهكذا اتخذ سجن إيفين مكانته كرمز للقمع الحقيقي بعد الثورة الإيرانية عام 1979. وأصبح مكاناً تُزج فيه الأصوات المعارضة، ويُمارس بحقهم كل أنواع الانتهاكات الجسدية والنفسية.

الصحفيون، النشطاء، الطلاب، وحتى المحامون الذين يدافعون عن المعتقلين، جميعهم وجدوا أنفسهم تحت رحمة هذا النظام الوحشي في هذا المكان بالتحديد، حتى أُطلق على سجن إيفين لقب “جامعة إيفين” بسبب العدد الكبير من المعتقلين فيه من النخب الفكرية، وذلك حسب موقع “كامبوس واتش” في شهادة من هوما هودفار، الأستاذة الجامعية الإيرانية التي اعتقلت فيه لمدة تصل إلى 112 يوماً.

صورة تظهر سجن إيفين من فوق-AFP

يحتوي “إيفين” على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض، يتعرض المعتقلون فيها للتعذيب بانتظام، وذلك لإجبارهم على التوقيع على اعترافات، تقودهم إلى المشانق في أكثر الأحوال، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية صادر في سبتمبر من عام 20217

وفي تقرير آخر للعفو الدولية عام 2023، كُشفت تفاصيل مروعة عن أساليب التعذيب المطبقة في سجن إيفين، حيث وُثقت شهادات تفيد باستخدام العنف الجسدي بأشكاله المختلفة، من الضرب المبرح إلى التعذيب بأدوات حادة، مما يترك السجناء في حالة من الألم والمعاناة الدائمة.

مقر التعذيب

إلى جانب ذلك، سلط تقرير منظمة العفو الضوء على الانتهاكات الجنسية التي تعرض لها بعض السجناء، كما في حالة الناشطة ويدا رباني، وهو ما أثار ردود فعل دولية غاضبة ودعوات للتحقيق والمساءلة.

وفي تحقيق لمجلة “المجلة” التي تصدر من العاصمة البريطانية لندن، نُشر في سبتمبر من العام 2021، روى أحد المعتقلين تجربته في سجن إيفين، وقال إنه “تعرض لأساليب تعذيب قاسية منذ اعتقاله في عام 1981.

ووصف المعتقل السابق تعرضه للضرب بالكابلات أثناء استجوابه، بينما تم تعذيب خطيبته في غرفة مجاورة.

وخلال 12 عاماً في السجن، تحمَّل هذا المعتقل أكثر من 170 طريقة تعذيب، مؤكداً أن السجن كان أشبه بمسلخ بشري. كما تحدث عن مجزرة 1988، التي أُعدم فيها نحو 5 آلاف سجين سياسي، موضحاً أن السجناء الذين ظهرت عليهم آثار التعذيب نُقلوا أولًاً لإخفاء هذه الآثار قبل تنفيذ الإعدامات.

لم يتوقف الأمر عند العنف الجسدي، بل شمل أيضاً الإهمال الطبي الممنهج، حيث تُركت العديد من الحالات الصحية الخطيرة دون علاج، مثل ما حدث مع الناشطتين نرجس محمدي وواريشا مرادي، اللتين عانتا من تدهور صحي مستمر داخل السجن نتيجة لحرمانهما من الرعاية الطبية. هذا الإهمال يعكس سياسة متعمدة تهدف إلى الضغط النفسي والجسدي على المعتقلين.

كما تناول التقرير التعذيب النفسي الذي يمارسه السجانون، عبر التهديدات المتكررة، والعزل الانفرادي الذي يمتد لفترات طويلة، وحرمان السجناء من التواصل مع ذويهم، مما يزيد من معاناتهم ويعمق من إحساسهم بالعزلة والقهر.

وفي السنوات الأخيرة استغلت السلطات الإيرانية احتجاز الأجانب ومزدوجي الجنسية في سجن إيفين كأداة للضغط والمساومة مع الدول الغربية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو الإفراج عن مواطنين إيرانيين محتجزين في الخارج، وذلك حسب مقالة وردت في الأسوشيتد برس في أغسطس عام 2021.

تعليقات