لا يقتصر الفشل في الحالة اليمنية على الجانب السياسي بل في كل الجوانب بما فيها الاقتصادي وهو الأهم ومسألة الجبايات ونهب المساعدات وتوزيع الفتات منها بشكل غير عادل خاصة في مناطق الحوثيين، وهذا الاستئثار سيقود إلى كارثة انسانية تتفاقم بين دقيقة وأخرى.
يمن المستقبل/
محمد عبده الشجاع
لا تبدو المهمة سهلة لدى كافة الوسطاء بما فيهم المبعوث الأممي، حتى بعد المتغيرات في سوريا ولبنان وفلسطين، إذ لا تزال المليشيا وحضورها في المشهد يشكل قلقًا للأطراف المحلية والدولية، حيث تبدو الاستجابة لعملية السلام أشبه بمحاولة اصطياد سمكة غير موجودة، فهي لا تزال تفاوض ويدها على الزناد، فيما لا يزال قناصتها في تعز يقتلون من وقت لآخر ويجرحون مواطنين عزل، إضافة لهجمات مماثلة في محافظة لحج والضالع ومأرب والبيضاء والحديدة.
ولعل التركيز هنا بشكل أوسع على مليشيا الحوثي والانتهاكات وحجم الفساد الذي تمارسه لا يعني بأي حال خلو حكومة الشرعية من نفس الممارسات لكنه بشكل أخف بكثير، على الأقل لا تزال المدنية بشكلها التقليدي تمارس مع كثير من التجاوزات، والهيكل الإداري والسياسي للنظام يقوم على التنوع عكس ما تقوم به المليشيا في مناطق سيطرتها من تطييف وتجريف وتسخير كل المقدرات لتكريس مشروع طائفي أحادي الفكر والمنطلقات والهوية.
نهب المساعدات وتقارير الإدانة
في هذا السياق تذكر التقارير أن ما يقارب 20 مليون يمني بحاجة لمساعدات يومية، وأن 9 مليون سيعانون أواخر 2024 نتيجة تراجع المساعدات، في ظل حالة فساد عامة تُضاعف هذه الأرقام مع توقف تصدير النفط منذ 3 أعوام، ما يعلن عن فشل العملية السياسية رغم كل المحاولات.
منظمة (ريجن يمن) ذكرت في تقريرها الأخير أن نصيب المليشيا (أنصار الله) من المساعدات وصل إلى 13.5 مليار دولار، هذا الاستئثار تم تقديره بنحو ثلاثة أرباع المساعدات التي تدفقت إلى اليمن خلال سنوات الحرب، رقمٌ كبيرٌ مقابل ما تعيشه البلاد من انهيار في منظومة التعليم والعدالة الاجتماعية والصحة ودخل الفرد ومواجهة الكوارث وانهيار العملة، ناهيك عن السؤال الأهم أين تذهب كل تلك المساعدات؟.
التقرير أكد أن عملية الإثراء التي مورست بشكل مفرط وصل لمعدل 80٪، فيما لا يصل إلى المستهدفين الحقيقيين إلا الفتات، إضافة إلى أنها تقوم بالعديد من الأساليب التدميرية لتعطيل العمل الإغاثي وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، والنهب عبر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA) والمئات من المنظمات.
وبحسب المراقبين فإن تلك المساعدات تتحول لعقاب جماعي تستخدم فيها الابتزاز ومحاولة جر أكبر عدد من أبناء القبائل والأسر الفقيرة إلى الجبهات، والضغط باتجاه انهاك الشرعية التي تبدو مقيدة بحسابات مبهمة في معظمها، ما يثير وجود تخادم بين القيادات، دون المبالاة بالوضع العام والمزاج الشعبي الذي يتأثر بشكل مباشر نتيجة عدم الاستقرار في عموم البلاد.
تفرض مليشيا الحوثي شروطها المجحفة من أجل التحكم بالمنظمات، للسيطرة والتحكم بمسار المساعدات ونهبها عن طريق شركاء محليين، مقابل ذلك تقوم باتهام الموظفين بالعمالة، وتقوم باعتقالهم لإيجاد مبرر سياسي لاستمرار الأزمة، ليجد المواطن نفسه وجهًا لوجه مع المساعدات وهي تباع أمام عينيه في محلات بيع المواد الغذائية والصيدليات من قبل المشرفين وعلى مرأى ومسمع من المنظمات التي يقتصر عملها على الصرف فقط دون التحري.
في الـ 27 مايو 2024م اتهم “برنامج الأغذية العالمي” الميليشيا بوضع العقبات أمام توزيع الطعام، والسعي لتوزيع المساعدات على الموالين فقط، والتدخل في قوائم المستفيدين، بما يعرقل عمل البرنامج وأهدافه، مهدداً بوقف توزيع المواد الغذائية بسبب مخاوف من وقوع اختلاسات وعدم إيصال المساعدات للأسر المحتاجة، وهذا التهديد يتكرر من وقت لآخر كلما تم التضييق.
تطويع المنظمات وتطويقها
الباحث السياسي (عبدالستار عبدالستارسيف الشميري ) كان لخص قصة الحوثي والمنظمات مشيرًا إلى أنه تم تجزئة عمل المنظمات إلى التنسيق مع منظمات دولية عبر (إيران) وكسبت كثير منها في هذا المضمار واصبح جزء من هؤلاء العاملين يعمل لصالح أجندتها، منهم من يعملون من الخارج وقد نجحوا في هذه الجزئية.
الأمر الثاني عملية الاحلال وإصدار تراخيص جديدة مع استبعاد السابقة أو جعلها نائمة ونجحت أيضا في اختراع منظمات جديدة.
المرحلة الثالثة تطويع المنظمات والتي كانت محل احترام قبل أن تدخل تحت العباءة الحوثية وشكلت صدمة لليمنيين.
الجزء الرابع حسب الباحث هو الذي لم يتم تطويعه بشكل كبير فتحول بقدرة قادر إلى جاسوس، وبهذه الأربعة الملفات يمكن فهم (حقيبة الحوثي) وكيف استثمر هذه المسألة في ظل عدم قدرة الشرعية على احتواء هذا الأمر وانشاء مركز يدير هذا العمل بحسب الباحث نفسه.
في جانب آخر من نفس السياق ذكرت شبكة (أنظمة التحذير المبكر من المجاعة)، أن الإتاوات الحوثية الأخيرة على تجار الملابس المستوردة، ستؤدي إلى خسائر فادحة، عقب فرض، ضرائب بمقدار 30 مليون ريال على كل شاحنة، ما يمثل زيادة بنسبة 50% مقارنة بـ20 مليون لكل شاحنة في 2023 وزيادة 200% مقارنة بـ10 ملايين ريال يمني لكل شاحنة في 2022″.
وأشارت إلى أنّه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، الضرائب الرسمية على الشاحنات المماثلة أقل بنسبة 97%، حيث تبلغ مليون ريال يمني لكل شاحنة بالعملة المعادلة.
ولفت تقرير الشبكة أنه “في يوليو المنصرم، أفادت التقارير بأنّ 1161 متجرًا وشركة في صنعاء تعرضت للمداهمة والإغلاق، في حين تعرض حوالي 90 تاجرًا وعاملًا للاعتداء وتحدثت، أنّه من المحتمل أن يواجه التجار خسائر في الأرباح، تؤثر على دخل كثير من الأسر.
وهناك جبايات وأعباء مضاعفة بحيث لا تتوقف العملية عند نهب الإيرادات والمساعدات بل تتجاوز ذلك إلى خلق مناسبات دينية طائفية كـ يوم الشهيد/ الغدير/ عاشورا/ الولاية/ مقتل الحسين/ انقلاب 21 سبتمبر، وفرض رسوم مالية ورفع شعارات وأعلام كما يحدث مع (المولد النبوي) المناسبة الأبرز التي جعلت منها المليشيا مدخلا لتمرير كثير من طموحاتها السياسية.
هوس المليشيا بالاعتقالات
منذُ شهر أيلول وقبل ذكرى (ثورة 26 سبتمبر)، بدأت الميليشيا باعتقال مئات الأشخاص في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، صنعاء ومحافظة إب كان لهما النصيب الأكبر، حيث اقدمت على اعتقال الصحفيين والناشطين والإعلاميين والمواطنين العاديين، احتفلوا أو دعوا للاحتفال، ما أثار حفيظة الميليشيا، وكعادتها اقتحمت المنازل وفتحت السجون السرية، للحيلولة دون التعبئة الجماعية التي يمكن أن تتحدى جبروتها وتكسر حاجز الخوف وتهدم الصورة النمطية لجماعة أذعنت في قتل وتشريد ملايين اليمنيين.
لا يشك الكثير من المعنيين بأنه المليشيا تحمل حقداً كبيراً على ثورة الـ ٢٦ من سبتمبر، التي أنهت تأريخ مئات السنين من الإمامة، وتسعى لمحوها من ذاكرة اليمنيين خوفا من أن تكون الشظية التي ستفجر شرارة النصر نحو تحرير العاصمة صنعاء وباقي المدن والقرى اليمنية.
لذا تشعر الحوثية أن سبتمبر سلبتهم الحق الإلهي والسلالي في استعباد الناس واذلالهم، وهذا النزق هو نتاج خوف من الغضب الشعبي الذي قد يتجاوز كل التهديدات وخطوط الخوف، فلجأت إلى سيل من الاعتقالات ومصادرة الحريات وحرمان الناس من ممارسة حياتهِم الطبيعية.
حوثنة الاتصالات
منذ أن أحكمت الميليشيا قبضتها على العاصمة صنعاء، سارعت لإحكام سيطرتها على جميع المؤسسات، بما فيها الاتصالات وتقنية المعلومات، وقامت بإحلال وكلاء ومدراء، وقيادات موالية للمؤسسات المختلفة، يشرف عليها متخصصين من الحرس الثوري وحزب الله.
بحسب التقارير فقد تمثلت أشكال السيطرة باقتحام الشركات وتعطيل أجهزة البث، وفرض رقابة مالية وإدارية صارمة على الشركات والمصارف، وربط منظومة الاتصالات العامة بجهاز الأمن والمخابرات، بإشراف مهندسين من حزب الله، حيث قاموا بإدخال أنظمة جديدة متطورة خاصة بالتجسس، تستهدف المكالمات لكافة مسؤولي الحكومة الشرعية وقيادات داخل مناطق سيطرتها.
كما أفادت مصادر باستخدام الاتصالات لأغراض عسكرية، واستهداف المعارضين ورصد تحركاتهم بغرض ابتزازهم وتطويعهم لخدمة توجهاتها وأفكارها ومعتقداتها، واستغلال الإنترنت للترويج لأفكارها وحجب المواقع المعارضة وفرض رقابة على خصوصيات قائمة كبيرة من معارضيها.
كما وظفت الاتصالات للملاحقات الأمنية والتجسس على قيادات وأفراد الجيش ورصد تحركاتهم واستهداف القيادات والمقرات التابعة للشرعية، وكذلك للضغط على جبهات القتال لصالحها عبر التحكم في إغلاق وفتح خدمات الاتصالات في أماكن المواجهات بما يخدم تعزيز قدراتها وتفوقها.
الاتصالات والمجهود الحربي.
معلوم بأن قطاع الاتصالات يدر إيرادات ضخمة وهائلة، من خلال المبيعات، وضرائب الأرباح، والرسوم الزكوية وتجديد تراخيص الشركات الخاصة، إضافة إلى السيطرة الفعلية على أي إيرادات لـ شركات ” أم تي إن” سابقآ و “سبأفون”، وواي، والاستيلاء على أرصدتها وأصولها، وتتنوع أشكال تحصيل الإيرادات من قطاع الاتصالات، حيث أن بعضها تتحصل بشكل مباشر، والبعض الآخر يُفرض على شكل جبايات وإتاوات، أو تحويلات.
وتتجاوز إيرادات المؤسسات العامة للاتصالات الخاضعة لسيطرة الحوثيين 122 مليار ريال يمني سنوياً، أي ما يعادل 488 مليون دولار تقريباً، وتتوجه كل هذه الأموال بحسب مصادر إعلامية وتقارير محلية ودولية بشكل غير قانوني لدعم الجبهات والقيادات الحوثية والهيئات التابعة لهم.
كما تطرقت تقارير أممية ومحلية عدة على مدى عشر سنوات من الحرب، من أن ميليشيا الحوثي تقوم بتسخير العائدات الكبيرة لقطاع الاتصالات في تمويل حروبها وأهدافها ومشروعها العقائدي، حيث قدرت تقارير اقتصاديه يمنية حجم الثروة التي جمعتها ميليشيا الحوثي من عائدات قطاع الاتصالات خلال السنوات الماضية بنحو سبعة مليار دولار، منها ما يُستثمر في الخارج، وأخرى أصول عقارية، وشركات تجارية، تصب جميعها في مصادر التمويل لحروب الجماعة منذ عام 2015م.
واقع الحال وفشل المفاوضات
هذه الإحصاءات والأرقام الصادمة سواء في نهب المساعدات بمختلف أشكالها أو إيرادات المؤسسات أو الجبايات والاتاوات التي تطوق عنق التجار وتنعكس بشكل مباشر وكبير على المواطن العادي، تعكس الصور الكاملة للسلطة التي تديرها مليشيا الحوثي الإرهابية، وهي تدير البلد من خلال مجموعة من النهابة واللصوص بشهادة قيادات منها، تجد نفسها أقل حظا نتيجة سيطرة عنصرية لفئة معينة من الأسر المقربة وحرمان كثير من الأسر على اعتبارها درجة ثانية وصراع متواصل بين بين الأسر الهاشمية نفسها القادمة من صنعاء وعمران وحجة أو المستوطنة صنعاء وذمار وإب وتعز.
الارتباطات السياسية بالنظام الإيراني هو الآخر عامل مساعد على فشل العملية السياسية واتخاذ تدابير دينية بحتة في التعاطي مع المجتمع من خلال تحريم كثير من المظاهر وملاحقة الطلاب في الجامعات وفرض بيئة مجتمعية لا تخدم الفرد بقدر ما تؤسس لنظام قمعي يتدخل حتى في أبسط التفاصيل لحياة الفرد اليومية.
كما أن ظهور الشرعية طيلة السنوات الماضية بمظهر المدافع وليس المهاجم، والتعامل بديبلوماسية عالية وربما مفرطة، تفرضها حسابات الأمم المتحدة والقوى النافذة والممسكة بالملف اليمني، والصراعات المختلفة بين الأقطاب ومحاور الممانعة وغيرها جعل من البلد أقل حظا في الدخول في عملية سلام شاملة أو على الأقل في خوض معركة مصيرية ربما تكون أنجع لإنهاء هذه الحالة من اللا حرب واللا سلم.
اليوم هناك ثلاثة مسارات يجب الانطلاق من خلالهم من أجل الوصول إلى حل سياسي متكامل ينزع فتيل الاستمرار في التصعيد من قبل كافة الأطراف وخاصة مليشيا الحوثي (أنصار الله) وهي حسب الأولية التفاوض محليا وإقليميا ودوليا خاصة بعد التحشيد وهجمات البحر الأحمر. وفي تقديري ما لم يكن الشعب والأفراد والقوى الحية في الداخل هي المحك وحجر الزاوية من أجل إيقاف العبث الحوثي أولا، والفساد الممارس في مناطق الشرعية؛ فإن واقعا مزريا سيستمر وسط احتقان وغضب شعبي عارم، ربما تكون نتائجه مزيد من الانهيار وعودة الفوضى والانفلات بشكل أكبر، وفقدان الثقة بشكل كامل بعد محاولات متواضعة لاحتواء الأزمة من خلال مشاورات الرياض وتغيير في الرئاسة اليمنية وحكومة الشرعية والتي لم يلمس المواطن منها ما كان مؤمل ولو 20% وكأنه محكوم عليه أن يصبر حتى يموت.