《إهداء: للذين أرادوني ميتًا، وأكلوا من عرق أثدائهم.》
الصهيل النازف من نعيق الأبواق الملتفة
حول أعناق الغربان
يسترسل في توبيخ ذاته المنكفئة
على شوارد الريبة الممسوسة بالساعة الصفر
ويتشافى كما لو أنه ينجو من سباته
في أقدام الفلاحين الراكضين إلى حقول الفناء
وبموازاته تمامًا
تموء بأصواتها عجلات الخشب ومزامير البلاستيك
العجلات الرابضة خيولها
على أزهار العزاء، وجُوق المنشدين
والبلاستيك المُجَنْبَى بعقالات الطين،
فاردٌ خواءه على رؤوس المخصيين
وهم يقهقهون
حين تتساقط أوطانهم خصيةً خصية
الصهيل يرقبني كلصٍّ أجير
وأنا أضاعف الضحك، في الكؤوس
يخامر كأسي إن غفت شفتاي على حواف الدنان
يحشرج الأضواء حولي بأسدار الفضول
ويلاعق المساء بحليب الانتشاء المشتى
في أقطان النحل..
حوله تُكمْئِنُ أجران الضوء للبحيرات النازلة،
من عبق الصندل إلى مِسلّات الهزائم
المتوالية في أنصال الرماح
وينتصب على المدد الفاره في عيون الغزلان
غبارٌ مرقومٌ كأفئدة المتدحرجين على عانات الغمام
وتحلب أبظارها في العراء، نعائم القيَّافِين،
فتتزين موائد الخراب بمحاذاته
بمحاذاته تتعرجن أقواسها كرات الثلج
وتحوم على أملاحها أفخاذ الالتواء الأخير
للسكينة المهربة من صراخ الأذواء
وتدخل في موتها قبة أعراس النصر
محاطة بعواسج القناديل
ونسائم “الحُلبة” المتبخرة من أجساد وصائف صنعاء
الأماكن المحظوظة تتفرقد في أحشاء الموتى
وتنضح في صحون هراواتها، برؤوس الهزليين
المُجازين من خطب الجمعة لتقنين الفرح
وتعبئة الموائد بأقيالها النازفين قططًا مملوءة بالمواء
الصهيل المطهم بالنياشين
وشارات الحرب وزيت السمك
يستنهض البجع النافق في عويل البحر، حضور الوليمة
ومضاجعة أناشيده المستقطعة من تذويق الهُذليين،
عصائرَ اللذةِ، شفاهَ الفراغ.
في عش الرصاص تكبر الفضيلة كمومسٍ متمرسة
وتتدلى السماء عن سقفها الأخير
راكضةً باتجاه نسيانها،
مؤتزرةً أفخاخ الصيد
متدافعةً في ذاتها كحشودٍ همجيةٍ تستقطر من عرقها
الخبز والنفط
وتتمايع في حقول الياسمين بكثيرٍ من الزهو
صورها المنتزعة من أساطين الفناء
تتزيَّا بخرائبها الأخلاق الصاعدة من أقدام الرذيلة
إلى الرؤوس المختلة بالتبعية المطلقة
وتتجاذب فراقدها خيام اللاهثين وراء الرمال
ليس جنونًا ما ينتصر الآن
لكنها اللحظة المرقمنة،
الملعونة بعيال الجيل الخامس
العيال المولودون في الخواء من أمهاتٍ إلكترونية الصنع
وآباءٍ بلا هوية، ثقفتهم الخطيئة
ومسختهم تآويلها حطابين لأثقالها
الليالي خالية الصهيل
تُنفى إلى آخر النص
الشبابيك الموعودة بالضجر
تضاجع العرايا في الغرف
الناشئة فوق أنين الموتى
تُزاوج أبوابها بالطلاء المستورد من حنينٍ سابق
الأبواب المنتشرة في عظام الخلق
مغلقةٌ بالنسيان
المغاليق المعقوفة في مناجل الفحم
تتقيأ الجثث
الجثث
تخلس عن نفسها قبورها
وتضيء متاهة الغيب
الغيب
العَمَاء
المخادع
سجَّان العقل
حارس المقبرة.
– رياض السامعي – اليمن
من ديوان رغوة الضوء .. رغاء العتمة الصادر مؤخرًا عن دار مواعيد.